ما الذي يمكن أن يوقف الحرب «قبل ساعات من اندلاعها»؟

ما الذي يمكن أن يوقف الحرب «قبل ساعات من اندلاعها»؟

لا تزال درجة التوتر العالية ترتفع ولا تبدو حتى اللحظة أية ملامح لخفض التصعيد الجاري، فالأزمة الحالية- وكما بات واضحاً للجميع- تتجاوز حدود أوكرانيا، بل حتى أنها تتجاوز حدود أوروبا كلها، فهي أحد التعبيرات عن الصراع العالمي بين أقطاب العالم الرئيسية وحلفائهم من خلفهم.

إن درجة الاستعصاء الظاهرة حالياً متوقعة، فالشكل الذي ستحسم فيه هذه المعركة سيترتب عليه الكثير على الساحة الدولية، وهذا ما تحاول روسيا فعله بالضبط عندما تقول: إن مطالبها الأمنية هي باقة متكاملة من الإجراءات لا يمكن تجزئتها، أو الانتقاء منها فإما أن تقبّل كاملة، أو أن ترفض. وعلى الرغم من أن البعض يرى في هذا الطلب إعلاناً للحرب إلّا أنه في الواقع الرادع الوحيد لها.

بايدين وبوتين والمكالمة الأخيرة!

قدم الجانب الأمريكي مؤخراً طلباً رسمياً لإجراء مكالمة هاتفية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن، ليجري لاحقاً تقريب موعدها بشكلٍ عاجل لتجري مساء يوم السبت 12 شباط بدلاً من يوم الإثنين 14 شباط. وحسب ما صرّح كبير مستشاري السياسة الخارجية في الكرملين يوري أوشاكوف، فقد «وصلت الهيستريا إلى ذروتها» عقب انتهاء المكالمة، وقد أشار أوشاكوف إلى أن المحادثات جرت بعد أن حذرت واشنطن من «غزوٍ روسي شامل لأوكرانيا يمكن أن يحصل في أية لحظة»، بل إن الأمريكيين حسب المصدر ذاته أعلنوا عن موعد «الغزو المفترض»، في إشارة إلى تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان والذي قال: «إن هناك احتمالاً موثوقاً بأن يحدث عمل عسكري روسي حتى قبل نهاية الأولمبياد» أي قبل 20 شباط الجاري. بل إن الصحافة الأمريكية نقلت تسريبات وصفتها بالموثوقة عن الرئيس الأمريكي الذي أبلغ القادة الغربيين، أن «روسيا ستشن هجوماً على أوكرانيا في 16 شباط الجاري»، ونسبت الصحيفة الأمريكية بوليتيكو ذاتها بعض التفاصيل إلى مسؤولين أمريكيين، «بأن الهجوم المفترض سيسبقه ضربات صاروخية أو هجمات إلكترونية».

خفايا المحاولة الأمريكية

تحاول الولايات المتحدة كما هو واضح مما سبق، شحن الأجواء بشكل مضاعف، وجرت المكالمة المشار إليها بين الرئيسين الأمريكي والروسي في السياق ذاته، فحسب بيان البيت الأبيض، تحاول الإدارة الأمريكية «تحذير موسكو من غزو أوكرانيا» وتذكّر بالرد «القاسي والسريع» الذي ستقوم به مع حلفائها وشركائها، حسب ما جاء في البيان. بل إن واشنطن بدأت مؤخراً بتقليص طاقمها الدبلوماسي وسحب موظفين حكوميين أمريكيين من أوكرانيا، هذا إلى جانب سحب 160 جندياً من قوات الحرس الوطني بولاية فلوريدا الأمريكية الذين كانوا يتمركزون في أوكرانيا للمساعدة في تدريب القوات الأوكرانية، حسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية. وتشارك مجموعة من الدول في شحن الأجواء، فقد حثت كل من أستراليا ونيوزليندا مواطنيها لمغادرة أوكرانيا في أقرب وقت ممكن، وذلك «تحسباً لهجوم روسي محتمل» وكانت كل من بريطانيا واليابان ولاتفيا والنرويج وألمانيا وهولندا والكيان الصهيوني قد اتخذت إجراءات مشابهة.
تستخدم الولايات المتحدة ما يعرف بالإجراءات الوقائية بهدف شحن الأجواء، فالإعلانات الكثيفة والمتسرعة والإجراءات المتخبطة قد تكون جزءاً من استراتيجية مدروسة لتوتير الأجواء وتجهيز أسباب مقنعة لارتكاب الحماقات من قبل بعض القوى الخاضعة لتسونامي المعلومات الغربي.
تقوم الخطة الأمريكية بشكلٍ واضح على محاولة دفع موسكو للقيام بالخطوة الأولى، أو إجبارها للقيام بخطوة ما كرد فعلٍ على حدثٍ يمكن أن يجري في أوكرانيا، أو على الحدود الروسية، فما تدركه الولايات المتحدة أن المنتصر في أية حربٍ قادمة سيخسر الكثير، ولذلك فهي ترى أن قيام أي طرفٍ سواء أكان أوروبيا أو روسياً بخطوة لإشعال فتيل الحرب ستكون بالتأكيد محط ترحيب أمريكي. وفي الوقت نفسه تحاول تقليل مساهمتها الفعلية للحد الأدنى الضروري، ودعّمت تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي هذا التوجه عندما قال: «العسكريون الأمريكيون في أوروبا لن يقاتلوا روسيا في حال التصعيد حول أوكرانيا، بل سيحمون حلفاءنا في الناتو» كما لو أنه يقول صراحة أن الفاتورة الأساسية لأية حرب يمكن أن تشتعل في أوروبا ستدفع تكلفتها دول أوروبا نفسها. وهو التوجه الأمريكي المعلن والذي لا يقبل التأويل.
التقارير التي يجري ضخها بشكل مدروس في الإعلام، ربما تكون جزءاً بسيطاً من تلك «المعلومات» الاستخباراتية التي يجري تداولها اليوم، فإذا انطلقنا من أن المسؤولين الروس صادقون عندما يكذّبوا هذه التقارير، وهو المرجح، فهل يمكننا عندها تخيل الأجواء في أوروبا في الأيام المقبلة؟ إذا كانت تقارير الاستخبارات ووسائل الإعلام تقوم بتناقل مواعيد لغزو وشيك لأوكرانيا سينتج عن ذلك بكل تأكيد أجواء مشحونة ترتفع فيها درجة التوتر على مناطق التماس، ويمكن أن يتحول هذا التوتر بشكل مفاجئ إلى مناوشات عسكرية، وهو ما ستقوم الولايات المتحدة بتضخيمه وتصويره بوصفه إعلاناً روسياً للحرب، وتدفع الأمور نحو مزيد من التصعيد إلى أن تصل إلى حرب شاملة لا يستطيع أحدٌ التنبؤ بشكلها أو حجمها، وخصوصاً إذا ما أخذنا التصريحات الأمريكية بعين الاعتبار، وتحديداً تلك التي تتحدث عن «الخطوات التمهيدية للغزو» مثل: الهجمات الإلكترونية التي يمكن تنفيذها من أي مكان في العالم وتحميل مسؤوليتها لروسيا.

دروس من التاريخ

على الرغم من الاختلاف الكبير إلّا أن الأحداث الحالية تذكر بالأيام التي سبقت الحرب العالمية الثانية، فقد كان لدى الجميع قناعة راسخة باحتمال اندلاع الحرب، ولكن لم يكن من الواضح من سيبدأها، أو أي الجبهات ستشهد شرارتها الأولى، وهو ما بات موضوع التضليل الأساسي الذي لعبت فيه وكالات الاستخبارات دوراً أساسياً بهدف تضليل الاتحاد السوفييتي عبر إغراقه بسيلٍ من المعلومات الكاذبة ومواعيد هجوم مفترضة، إلى درجة أن خطة الهجوم الحقيقية قد تم تسريبها، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع الاتحاد السوفييتي اتخاذ القرار بالقيام بهجوم استباقي، بل إن الرد على القصف الألماني تأخر خوفاً من الانجرار إلى الحرب الكبرى بسبب بعض الأعمال الاستفزازية على الحدود.
الفوارق الكثيرة بين ما جرى في الحرب العالمية الثانية وما يجري اليوم، لكن ينبغي الانتباه إلى أن روسيا تحاول القفز فوق الاستفزازات الأوروبية لتدفع الولايات المتحدة للاشتباك معها بشكلٍ مباشر لا عبر الوسطاء الأوروبيين، ولذلك ترهن موسكو التهدئة بخضوع واشنطن تحديداً لشروطها الأمنية، فالسبيل الوحيد بالنسبة لها لدفع واشنطن للتراجع هو: تحميلها مسؤولية التصعيد وتكلفته الباهظة بشكل مباشر. فالولايات المتحدة اليوم تقوم بإبعاد جنودها عن نار الحرب التي تأمل أنها إذا ما اشتعلت ستحرق خصومها، لكنها ستعيد حساباتها بكل تأكيد عندما تدرك أنها ستكون المستهدف الأول فيها، وعندما تتأكد أن حرباً كهذه ستكون بكل تأكيد سبباً جديداً لتسريع انهيار امبراطوريتها المتهالكة. وتكون عندها هذه الحقيقة، الضمانة الوحيدة لاستبعاد خيار الحرب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1057
آخر تعديل على الإثنين, 14 شباط/فبراير 2022 13:20