النووي الإيراني وخيار واشنطن الوحيد
شكّل الاتفاق النووي بالنسبة لإيران في عام توقيعه مخرجاً لجملة من القضايا العالقة، وكانت على رأس هذه القضايا: مسألة رفع العقوبات التي كانت تضع ضغطاً شديداً- ولا تزال- على طهران. بالإضافة إلى الآثار الإيجابية للطاقة النووية على اقتصادها، فما الذي تغير اليوم؟ ولماذا يلمس المجتمع الدولي فتوراً في حماس إيران تجاه الاتفاق؟
يمكن تكثيف الجواب البسيط عن السؤال المطروح ببضع كلمات: إيران ترى أن الولايات المتحدة أصبحت أضعف بكثير من يوم توقيع الاتفاق لأول مرة في 14 تموز 2015، وترى أن برنامجها النووي أصبح أكثر تطوراً خلال السنوات الماضية. وبالتالي، بات الثمن الذي ستدفعه إيران اليوم مقابل الصفقة ذاتها أكبر بكثير من ذلك الذي كانت مستعدة لدفعه منذ ما يقارب السبع سنوات، ولذلك تحاول الحصول على مكاسب أكثر في الاتفاق الجديد.
قدرات إيران الداخلية
يمكننا من هذا الجواب المكثفة القول: إنّ إيران ومنذ اللحظة الأولى التي تلت انسحاب واشنطن بشكلٍ أحادي من الاتفاق، كانت أمام عدة خيارات، إما محاولة تقديم المزيد من التنازلات أملاً في الوصول إلى الاتفاق ورفع العقوبات الكاملة عنها والاستفادة من «أنهار العسل» التي وعدها الغرب بها، وإما العمل على أساس أنها ربما خسرت فرصة هذا الاتفاق للأبد، ومن هذه النقطة انطلقت طهران في تطوير متسارع لبرنامجها النووي من جهة وبحثت بشكّل جدّي عن كل ما من شأنه تأريض العقوبات الغربية على اقتصادها، والهدف الواضح بالنسبة لها كان الوصول إلى برنامج أكثر تطوراً في مدة قياسية، تحميه قدرات عسكرية عالية على جميع المستويات بالإضافة لبناء علاقات اقتصادية استراتيجية تكون بعيداً عن مجالات التأثير الغربية قدر الإمكان.
منذ أيام أعلنت إيران عن مجموعة جديدة من الأسلحة التي أربكت خصومها ففي يوم الأحد 13 شباط أعلن وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني عن عشر منظومات دفاعية متطورة من الصواريخ والمعدات في مجال القتال البري، وأكد وزير الدفاع في هذه المناسبة: أن بلاده نجحت في تطبيق السياسة التي أسماها «طلقة واحدة، هدف واحد» والقائمة على معدات عسكرية شديدة الدقة بهدف «تجنب إضاعة أية طلقة» حسب تعبيره، هذا إلى جانب الكشف الجديد للحرس الثوري الإيراني في 9 من شهر شباط الجاري عن صاروخ باليستي نوعي قادر على المناورة، ويستطيع إصابة الهدف بدقة على بعد 1450 كم، أي أنه قادر على الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مصير إيران مختلف عن مصير الاتفاق
حملت التصريحات الأخيرة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي- حول الاتفاق النووي- إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، فرئيسي أشار إلى أن بلاده «لن تربط مصيرها بمحادثات فيينا أو العلاقة مع واشنطن» وأشار إلى أنه يعول على العلاقات مع دول الجوار وعلى طاقات الشعب الإيراني.
الاستجابة الإيرانية لهذه الأزمة سمحت لها بإحراز تقدم على الرغم من الضغوط الشديدة التي تعرضت لها بعد الانسحاب الأمريكي، وما رافقه من استهدافات لبرنامجها النووي من قبل الكيان الصهيوني، بل إن التقدم هذا نقل الأزمة إلى الولايات المتحدة نفسها، فدرجة الانقسام الأمريكي تزداد حيال الموقف من الصفقة مع إيران فحسب مجريات جلسة استماع للمفاوض الأمريكي روب مالي في اجتماع مغلق لمجلس الشيوخ. تبين أن سعي الإدارة الأمريكية الحالية لإعادة إحياء الاتفاق لا يزال يواجه بشدة من قبل الرافضين له، وخصوصاً أنه بات واضحاً أمام صناع القرار في الولايات المتحدة، أن الطريقة الوحيدة لإتمام الاتفاق مع إيران هي: تقديم تنازلات أمريكية كبيرة ستكون محرجة بشدة على الساحة الدولية في أقل التقديرات، لكن المشكلة الأكبر بالنسبة لواشنطن تكمن في غياب سيناريو بديل، فماذا يمكن لواشنطن أن تفعل إذا أصرت إيران على شروطها للقبول بالاتفاق؟ هل سترضى واشنطن ببرنامج إيران الصاروخي المتطور وببرنامج نووي متقدم في المنطقة؟ وهل ستعلن هذا للعالم دون أن تتوقع حالة من الانفكاك السريع من قبل حلفائها عنها؟
الكيان الصهيوني يدرك حجم الكارثة!
في زيارته الأخيرة لواشنطن بدا القلق بوضوح على مستشار الأمن الصهيوني إيال هولتا، فعقب انتهاء اللقاء الذي جمعه مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قال هولتا: «إسرائيل والولايات المتحدة لا تتفقان في القضية الإيرانية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي» وأضاف: إن قبول واشنطن العودة إلى الاتفاق يعني حسب تعبيره «خسارة واشنطن للأدوات التي من شأنها أن تسمح لها بفرض اتفاقية أطول وأقوى على إيران» متجاهلاً مسألتين في غاية الأهمية، الأولى هي: أن واشنطن تعجز الآن عن إنجاز الاتفاق النووي فكيف يمكن لها أن تحصل لاحقاً على اتفاقٍ أفضل بالنسبة لها؟ وخاصة في ظل تراجعها المتسارع، والمسألة الثانية التي يغفلها المستشار الصهيوني وهي: أن الكيان لا يملك خطة بديلة للتعامل مع إيران، فهو عاجز عسكرياً عن القيام بعملية ضد طهران، وخصوصاً إذا لم يتلق دعماً كاملاً من واشنطن للقيام بهذا النوع من العمليات. التصريحات الأخيرة للمستشار الصهيوني شملت أيضاً حديثاً عن ضرورة إيجاد آلية مشتركة للتعامل مع إيران «بغض النظر إذا تمت العودة للاتفاق أو لم تتم».
المأزق الأمريكي
تبدو أزمة الملف الإيراني كأحد تجليات الأزمة الأمريكية التي تعيشها على الساحة العالمية، حين تخلق أية خطوة- وبغض النظر عن اتجاهها- مشكلة جديدة، فاليوم يصبح توقيع الاتفاق بالنسبة لواشنطن مشكلة، فعليها بعده أن تتعامل مع المنطقة من منظورٍ مختلفٍ تماماً، وعليها أن تتوقع وتقبل الاتجاه العام الناشئ والمتسارع لتحسين العلاقات مع إيران، وتحديداً في دول الخليج العربي، وإن رفضت التوقيع لن يتغير الكثير. قبول واشنطن أو رفضها للاتفاق سيحمل آثاراً كبرى في الداخل الأمريكي، وسيغير صورتها على المستوى العالمي، القصد، أن أمام واشنطن الآن خياراً واحداً لا أكثر، وهذا الخيار هو التراجع، والنقاش الجاري حالياً هو: كيف يجب أن تكشف أمريكا للعالم عن هذا التراجع؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1057