مستقبل البشرية إلى أين؟ عرض وقراءة في طرح أندريه فورسوف 3/3

مستقبل البشرية إلى أين؟ عرض وقراءة في طرح أندريه فورسوف 3/3

ما الذي يجري في العالم اليوم؟ وكيف يمكن الخروج منه؟ كثيرون يبحثون عن أجوبة عن هذه الأسئلة الكبيرة ويصطدمون بمجموعة من الأجوبة التي تسوقها وتروّجها مجموعة من النخب العالمية من أمثال الاقتصادي ورجل الأعمال الألماني كلاوس شفاب، الذي يروج لما يسميه «إعادة الضبط العظيمة»، وفي المقابل يقدم مجموعة من الباحثين قراءات أخرى متمايزة، تستند إلى إرثٍ معرفي كبير، وفهم عميق لجوهر النظام الرأسمالي العالمي.

نعرض فيما يلي الجزء الثالث والأخير من القراءة التي يقدمها البروفيسور أندريه فورسوف الباحث بالعلوم التطبيقية والأساسية، والتي قام بتكثيفها بمحاضرة أكاديمية مسجلة في جامعة موسكو للعلوم الإنسانية في تشرين الثاني من عام 2021، والتي نشرتها «قاسيون» بعد ترجمتها عن الروسية على قناتها الرسمية على موقع يوتيوب.
أثبتت أزمة عام 2008 نهاية الرأسمالية التي كانت في هذا الوقت قد انتهت من ناحية النقد، وهذا ما دفع النخب الغربية إلى إدراك أنه لا يمكن لمنظومة القطب الواحد أن تستمر بهذا الشكل، وهو ما يفرض بقاء الهيمنة الاقتصادية وخلق طرفين متضادين لذلك قرر «جزء من النخبة العالمية أنه يجب خلق مركزين ليكونا متضادّين، هذا القرار اتخذ لينفذ في غضون 16 عاماً، وتم وضع خطة عمل لأوباما وكلينتون آخذين بعين الاعتبار أن أوباما سيبقى في الحكم 8 سنوات وكلينتون ستبقى 8 سنوات أخرى، وخلال 16 عام ستنفذ هذه المهمة، هذه المهمة تنفذ في الواقع بشكل بسيط للغاية، حقاً إنها كانت فكرة جيدة لقسم محدد من الطبقة الحاكمة العالمية، إنشاء تحالف حكم للمحيط الهادئ وحلف حكم أطلسي، لكي يتصارعا مع بعضهما بعضاً، مثل هذه الفقرة من فقرات السيرك، صراع الفتى مع الدب، حيث شخص واحد يلعب دور الاثنين، اليدان هما الفتى والقدمان هما الدب، وها هما يتصارعان، هذا الأمر كان سيخلق حركة، لكن هنا ظهر ما أسماه نسيم طالب «البجعة السوداء» فقد ظهر ترامب، الذي يمثل مصالح دوائر حكم عالمية مختلفة تماماً».

ترامب «البجعة السوداء»

ينبه البروفيسور إلى أن ترامب «ليس انعزالياً بأي حال من الأحوال وهو ليس قومياً، هو مع العولمة، لكنه ليس مع الإفراط بالعولمة، وهناك فرق بين العولمة والعولمة المفرطة يتلخص في التالي؛ أنصار العولمة يعتقدون بضرورة بقاء الدولة، لكن يجب أن يكون متحكماً بها من خلال هياكل كصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة والبنك الدولي، كل هذا يجب أن يبقى، وبالتالي، يجب أن تبقى الصناعة والطبقة الوسطى، أما أنصار العولمة المفرطة يعتقدون أنه لا يجب أن يكون هناك دولة، فالعالم يجب أن يتألف من خمس إلى ست شركات عملاقة مثل شركة الهند الشرقية».
ما فعله ترامب حسب رؤية فورسوف هو أنه قطع الانتقال التطوري من الرأسمالية إلى بناء جديد «ما بعد الرأسمالية»، ولذلك يرى البروفيسور: أن المؤتمر الذي سبق ذكره في «سانتا في» عقد بعد أن بات واضحاً «أن الانتقال التطوري باتجاه ما بعد الرأسمالية لا يمكن أن يتحقق، لا بد من انتقال راديكالي وهذا الانتقال الراديكالي يقترح تعطيل وعي الناس، وفرض التحكم على الشبكات الاجتماعية، أي على عوامل الإنتاج غير المادية».

العالم في «ما بعد الرأسمالية»

يرى أندريه فورسوف: أن جائحة كورونا لعبت دور الصاعق في عملية الانتقال إلى نظام عالمي جديد، ويقول: إن الشيء الجوهري فيما يجري الآن «هو انتقال ثوري باتجاه ما بعد الرأسمالية، لكن ليس وفق نهج ماركس وهذا الانتقال لا تنفذه البروليتاريا ولا المظلومون، بل تنفذه الطبقات الحاكمة للبرجوازية، أو بشكل أدق المجتمع ما بعد البرجوازي، وبالفعل ما نشاهده اليوم في الغرب، عندما تم التحدث في مؤتمر سانتا في عن طبقة عليا وطبقة سفلى، حيث لا وجود للطبقة الوسطى، هذا بالنسبة لهم شيء زائد وهو يختفي، وفي كل العالم تجري عملية التخلص من الطبقة الوسطى، والآن نرى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة وهذا الأمر سيقتل الطبقة الوسطى بشكل نهائي، وستكون بالفعل هناك مجموعتان مختلفتان تماماً، واحدة منهم ستكون المتحكمة بالشبكات الاجتماعية، وهذا ما سيكون العنصر الرئيسي للاستيلاء على الثروة».
ويرى فوروسوف: أن هذه العملية تواجه جملة من العقبات وتحديداً الصراع بين «مجموعتين مختلفتين، الاقتصاديون، وأولئك الذين يتحكمون بالشبكات الاجتماعية، أي بعوامل الإنتاج غير المادية، والتي تسعى إلى السيطرة على تحديد الأهداف، أي التحكم في سلوك المجتمع» أي أن الكتلة التي تضم ممثلي الأعمال الصغيرة في العالم والتي تملك مجتمعة في الإجمال ما يعادل رأس المال الكبير تعيق بالمحصلة ما تسعى له المجموعة المقابلة، وهنا يذهب فوروسوف للاستنتاج بأن المطلوب هو تجريد ملكية «الملاكين الصغار» ويذكر بعملية التراكم الرأسمالي الأولي التي جردت الناس من ملكيتها لتحويلهم إلى العمل المأجور، لذلك يرى المحاضر أن فرض الإغلاق في أثناء تفشي جائحة كورونا شكّل ضربة قاضية لجزء كبير من أعمال الطبقة الوسطى ودفعهم للإفلاس، فالناس لم تستطع المقاومة بسبب «انتشار الوباء»، ويشير إلى أن 70% من مطاعم باريس لم تتمكن من إعادة الافتتاح لأنها لم تستطع تحمل الخسارة في فترة الإغلاق!

الخطر الأكبر الذي يهدد البشرية

الكارثة الاجتماعية التي تهدد البشرية بالنسبة لفوروسوف، هي ولادة البناء ما بعد الرأسمالي، لكنه يشير إلى استحالة نجاح أية منظومة اجتماعية بالضربة القاضية، فدائماً ما تكون هناك مساومات واتفاقات، وكلما كانت هناك- في وجه حاملي الطبقة الجديدة- مقاومة أكبر تقتلع الأسنان، كلما كان تصرفه أكثر تواضعاً». ويُذكّر بأمر مهم وهو: أنه «في الحالة الراهنة، بما أن العنصر الحاسم، عامل الإنتاج الحاسم في العالم المعاصر يصبح هو العامل النفسي- المعلوماتي، وهو يمثل مجال الاستيلاء على الثروة، يجري إذاً أمر مثير حقاً، وهو الصراع على القيم التقليدية في كل العالم، ليس صراع القديم ضد الجديد التقاليد ليست «قديمة»، القضية تكمن في أنه في الشكل التقليدي يبدأ بالتطور نمط جديد في الحقيقة من الصراع الطبقي، أو بالأحرى الصراع الاجتماعي، بما أن العناصر الأساسية هي نفسية القيم، الأهداف، الأشكال، فإن الصراع من أجلهم يصبح صراعاً جديداً للمجتمع ما بعد الرأسمالية، لذا فإن الكثير مما يحدث الآن في العالم، على سبيل المثال: الصراع حول العائلة التقليدية صراع حول العلاقات الاجتماعية الجديدة في المجتمع الجديد، لأن إحدى مهام أنصار العولمة المفرطة هو تدمير العائلة وتحويل الناس إلى كتلة مشرذمة، أي إلى إنسان يسهل اقتياده لأنه إذا ما كانت هناك عائلة، فعندها يصعب التحكم بالفرد، لذلك المطلوب تحطيمها بالنسبة للرأسمالية.
أنصار العولمة المفرطة يعلمون أن نجاح خطتهم مرهون في أن تتحقق خلال 7 إلى 8 سنوات، وإذا تأخرت فستبدأ المقاومة ولن يتحقق شيء، علاوة على ذلك يعلمون أنه حتى لو دولة عظمى واحدة، كالصين أو الولايات المتحدة أو روسيا، خرجت من هذا المشروع فلن يكون بالإمكان تحقيقه، وانظروا ما الذي فعلوه، ماذا كانت المحاولة الأولى؟ المحاولة الأولى كانت منذ 3 سنوات، محاولة التخلص من شي جين بينغ، لكنه انتصر في الصين، إضافة إلى ذلك تمكن من تحقيق ما يمكنه البقاء في الحكم للأبد فإذاً النتيجة0 مقابل 1 ضد أنصار العولمة المفرطة. وفي الولايات المتحدة، تم التخلص من ترامب نتيجة الانقلاب الحكومي، النتيجة 1 مقابل ،1 ويبدو أن روسيا الحلقة الأضعف اقتصادياً، وهنا سيكون الحسم، وسيتبين إن كان أنصار العولمة المفرطة سيتمكنون من تحقيق مرادهم أم لا، فمحصلة الصين والولايات المتحدة 1 مقابل 1 وتبقى القوة العظمى الثالثة، إذا ما خرجت من المشروع أم كبحته، عندها سيذهب أتباع العولمة المفرطة مثل شفاب إلى مزبلة التاريخ.

مستقبل البشرية إلى أين؟ عرض وقراءة في طرح أندريه فورسوف 1/3

مستقبل البشرية إلى أين؟ عرض وقراءة في طرح أندريه فورسوف 2/3

معلومات إضافية

العدد رقم:
1054
آخر تعديل على الأحد, 23 كانون2/يناير 2022 22:54