اتفاقيات التطبيع تهتز... هل يخسر الكيان مجدداً؟
لم يمض كثيرٌ من الوقت قبل أن تتضاءل فرحة الصهاينة باتفاقيات التطبيع- سيئة الصيت- مع الدول العربية، وذلك بعد أن ظهرت- وأمام الجميع- هشاشة «اتفاقيات إبراهيم» التي عملت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على دعمها وتوسيعها. ما الجديد؟ وما هي تلك التطورات التي تزيد من احتمالات فشل هذه المعاهدات المشؤومة؟
لا يغيب عن أحد أن هذه الاتفاقيات والتي شملت كلاً من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب لم يكن لها أن تقوم دون الدعم الأمريكي لها، ولكن ما يغيب عن أذهان البعض أن الولايات المتحدة لم يكن لها أن تنجح في هذه الخطوة لولا أنها قدمت مغريات محددة للأنظمة في الدول الأربع المذكورة، والجدير بالملاحظة: أن الخطوة الأمريكية هذه كانت بمثابة القفز في الهواء.
الولايات المتحدة والقفز في الهواء
حاول الرئيس الأمريكي السابق استكمال النشاط الأمريكي بدعم الكيان الصهيوني ومحاولة توسيع هذا الدعم عبر إنشاء شبكة من العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، هدفها ربط الكيان الصهيوني في نسيج المنطقة، بهدف إنشاء كتلة إقليمية واسعة ومتراصة لتخديم المصالح الأمريكية في المنطقة. والتي تقوم بشكل أساسي على إبقاء حالة التوتر الشديدة الموجودة بعد الانسحاب الأمريكي الإجباري منها. وحاول الرئيس السابق ترامب تجيير هذه الاتفاقيات لصالحه في معركته الانتخابية، وعلى الرغم من ذلك لم يستطع كسبها، ليخلفه الرئيس جو بايدن الذي بدا أقل حماساً تجاه «اتفاقيات السلام»، أو أنه لم يرَ مبرراً للهدايا التي قدمتها واشنطن في سبيل إنجاح هذه الاتفاقيات،
ففي مقال نشر في مجلة «فورين بوليسي» بعنوان «لماذا توقف بايدن عن دفع عملية السلام الإسرائيلية- العربية؟» يرى الكاتب: أن إدارة الرئيس السابق نجحت في توقيع أربع اتفاقيات في 5 أشهر بمقابل سنة كاملة لإدارة بايدن دون أي تقدم ملموس في هذا السياق، ولذلك يذهب المقال إلى استنتاج أن «فشل الإدارة الحالية في البناء على السلام في الشرق الأوسط هو أكبر فرصة ضائعة في السياسة الخارجية للرئيس الحالي».
السودان…
مؤشرات وسط الضباب
بدا واضحاً، أن جنرالات الجيش السوداني كانوا من بين المتحمسين لاتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني، بل إن مؤشرات كثيرة كانت تدل على أنهم رعاته الأساسيون، وخصوصاً أن الحديث عن التطبيع بدأ بعد نشر وسائل الإعلام خبراً عن لقاء جمع عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق بنيامين نتنياهو، وسط حالة من القبول والصمت من قبل الجناح المدني في مجلس السيادة السوداني. وعلى الرغم من أن التطبيع بين السودان والكيان لم يأخذ صيغة دستورية بسبب غياب المجلس التشريعي السوداني، إلّا أن خطوات ملموسة بدأت على الأرض شملت تعاوناً اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً أنتج ردات فعل واستياء من الشارع السوداني والقوى السياسية المناهضة للتطبيع. مع سيطرة العسكريين على السلطة في أواخر العام الماضي بدت واشنطن غاضبة من هذه الخطوة، وخصوصاً أنها أبعدت عن السلطة الجناح المدني المقرب من الغرب، والذي يفترض له أن يمثل قوى الحرية والتغيير، مما بدأ يعقد الأجواء في السودان ويدفع الأمور نحو أزمة شاملة.
حاول النظام السوداني في وقتٍ سابق التأكيد على أن اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني «تصبّ في مصلحة السودان» وبرر البرهان هذه الخطوة بتأكيده أنها «كانت ضرورية لإعادة بلاده إلى المجتمع الدولي» لكن القيادة في السودان أظهرت بعض المؤشرات لانخفاض الحماس تجاه هذه الاتفاقية منذ توقيعها في شهر تشرين الثاني 2020 التي باتت في كثير من الأحيان حبراً على ورق، حتى أنها وصفت في بعض الأحيان «بالاتفاقية المشلولة»، لتقوم الخارجية السودانية في وقتٍ لاحق في بيان رسمي بالاعتراض الشديد على حصول الكيان على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي في شهر تشرين الثاني 2021.
حتى اليوم، يبدو في الظاهر أن العلاقات لا تزال قائمة، وخصوصاً أن الزيارات المتبادلة لم تنقطع حتى اللحظة، ولكن استياء واشنطن من التطورات السياسية الأخيرة في السودان بات يدفعها للتضييق عليها بشكلٍ كبير، مما قد يعني سحب «الجائزة» التي تلقتها الخرطوم لقاء قبولها التطبيع مع الكيان، وخصوصاً أنها باتت ترى «العزلة الغربية» تخيّم عليها من جديد.
المغرب والصحراء
تحاول وسائل الإعلام البحث عن السبب الذي يمنع الكيان الصهيوني من فتح سفارته بشكلٍ رسمي في المغرب، وخصوصاً أن الملك المغربي محمد السادس لم يستقبل سفير الكيان في الرباط ديفيد جوفرين، وحاولت جريدة «الصحراوي» الصادرة في إسبانيا تفسير حالة البرود المفاجئة في العلاقات المغربية- الصهيونية وذهبت للقول بأن خطوة الملك محمد السادس تأتي كرد طبيعي على التلكؤ الأمريكي والصهيوني فيما يخص قضية الصحراء الغربية، والتي منح الرئيس الأمريكي السابق اعتراف بلاده بسيادة المغرب على هذه الصحراء بخطوة مخالفة لقرارات مجلس الأمن. لكن مع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتسم موقف خلفه بنوع من الغموض حول ملف الصحراء، فبالإضافة إلى إعاقة الكونغرس لصفقة توريد أسلحة إلى المغرب تشير جريدة «الصحراوي» إلى أن الولايات المتحدة باتت تتحدث بوضوح حول ضرورة قيام الأمم المتحدة بإيجاد «حل عادل لهذه المسألة» في إشارة إلى احتمال أن تلتزم واشنطن بقرارات الأمم المتحدة حول مسألة الصحراء، وخصوصاً أنه قد جرى مؤخراً تعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة للصحراء الغربية بعد مرور عامين على توقف عمل المبعوث السابق، في إشارة إلى أن تحركاً جديداً يتوقع أن يجري داخل أروقة مجلس الأمن. بل الأكثر من ذلك، هو أن الكيان الصهيوني نفسه يصرّح بوضوح أنه لا ينوي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، ففي تصريحات لرئيس مكتب الاتصال «الإسرائيلي»، ديفيد جوفرين، أدلى بها لوكالة الأنباء الإسبانية، في تشرين الأول الماضي، أن «إسرائيل ملتزمة بدور الأمم المتحدة في حل الصراع في الصحراء الغربية». وأضاف «إن تل أبيب راضية عن موقفها الداعم للأمم المتحدة لحل الصراع الصحراوي». مما يعني أن المغرب قد يرى نفسه غير ملزمٍ بالمضي قدماً في هذا الطريق الوعر في حال حرم من «الهدية» التي وعد بها، ويؤكد المقال المشار إليه سابقاً تحت عنوان «المغرب يؤجل افتتاح السفارة الإسرائيلية بسبب موقف تل أبيب من نزاع الصحراء الغربية» هذا الاستنتاج في إشارته إلى تصريحات وزير التخطيط الاستراتيجي في الكيان الصهيوني إيلي أفيدار، والتي أدلى بها لصحيفة «معاريف» حيث قال: إن «التطبيع مع المغرب هدية أمريكية تنذر بالزوال. مشيراً إلى أن الاتفاق غير موثوق به، ويمكن التراجع عنه في أي وقت (…) اتفاقيّات إبراهيم، باستثناء حالة أبو ظبي. لا تستند إلى محور ثنائي مستقر».
تشير التفاصيل السابقة إلى هشاشة اتفاقيات التطبيع هذه، فهي قامت على أساس وعود قطعها الرئيس الأمريكي السابق، والتي تدل الوقائع على أن الإدارة الحالية تتنصل منها، مما يعني أن السودان والمغرب قد يستخدمان هذه الاتفاقيات بالذات كورقة ضغط على واشنطن في حال تنصلها المتوقع من تعهداتها السابقة!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1054