ليبيا وخطوات التقدم والتراجع
تشهد الأوضاع الداخلية الليبية تطورات دائمة، وخصوصاً مع بدء العملية السياسية التي تحاول تجاوز العقبات على الرغم من صعوبتها ودرجة تعقيدها العالية نظراً لتشابكها بين الأطراف الداخلية وأخرى اقليمية ودولية.
يستمر الانقسام الليبي بين غرب البلاد ووسطها وشرقها، بين الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، والمشير خليفة حفتر بشكل رئيسي، ومعه تتزايد تعقيدات المشهد السياسي الذي أدى أساساً إلى تأجيل الانتخابات السابقة في شهر كانون الأول، تبعه تأجيل آخر لانتخابات كانون الثاني، دون تحديد موعدٍ واضحٍ بعد، بالتوازي مع ذلك طفا موضوع الدستور على السطح مجدداً، ومرافقاً لمساعي إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، إلا أن الأكثر خطورةً من كل ما سبق من تعقيدات وإشكالات في العملية السياسية، هي: الأخبار التي يجري تداولها عن فتح علاقات بين بعض القوى الليبية، وتحديداً خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي مع «إسرائيل» للتطبيع بمقابل الدعم في الانتخابات، فهل ما يجري تداوله صحيح وما مآلات هذه التطورات؟
توحيد المصرف المركزي
قبل الخوض في تحليل طروحات التطبيع، نضيء على بعض المستجدات التي تحمل مؤشرات إيجابية بالمضي تجاه الحل، وواحدة منها كان إعلان المصرف المركزي الليبي يوم الخميس 20 كانون الثاني عن انطلاق عملية إعادة توحيده عبر تنفيذ خارطة متفق عليها سابقاً، وأوضح بيان للمصرف: أن الإعلان قد جاء نتيجة لاتفاق بين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق عمر الكبير، ونائب المحافظ علي سالم الحبري، وجاء في البيان: «خارطة إعادة التوحيد ستكون ضمن أربع مراحل، سينتج عنها نموذج تشغيلي متطور للمصرف المركزي الموحد، يحاكي أفضل الممارسات العالمية».
وقد رحبت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز بهذا الأمر، وهو يعد أمراً هاماً يساهم بالاستقرار المالي والسياسي في البلاد، شرط أن ترافقه خطوات بالجوانب الأخرى بالطبع.
توحيد المؤسسة العسكرية
عقد اجتماع ثاني بين الفريق محمد الحداد والفريق عبد الرزق الناظوري في مدينة سرت بحضور عدد من رؤساء الأركان والإدارات العسكرية من الجانبين، استكمالاً للاجتماع الأول في شهر كانون الأول السابق، والذي اتفق به على حل ودمج التشكيلات المسلحة من الطرفين، ليتفق الآن مجدداً على هذا التوجه والتأكيد على بناء جيش ليبي بعيداً عن كل التجاذبات السياسية ووضع خطة شاملة لهذا الغرض.
انسحاب جزء من المرتزقة الأجانب
انسحب جزء من المرتزقة الأجانب من ليبيا خلال شهر كانون الثاني الجاري، ورحبت وليامز بذلك معتبرة أنها خطوة أولى جيدة لجلاء القوات الأجنبية عن ليبيا، وقالت: إن «هذا الانسحاب هو بطبيعة الحال من عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) التي اقترحت خطة لذلك، وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كان سحب بعض المرتزقة خطوة أولى جيدة» وأشارت إلى أنه «يجب أن يتم تنسيق العملية بعناية شديدة من قبل الدول التي عمل مواطنوها مرتزقة في ليبيا»، بينما شدد الممثل الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، على ضرورة مغادرة جميع المرتزقة من ليبيا في أسرع وقت ممكن، معتبراً ألّا وجود لأية عقبات أمام ذلك.
يعد موضوع وجود قوى عسكرية أجنبية في ليبيا من أهم وأكبر العوامل المؤثرة سلباً على تقدم الحل السياسي عموماً والانتخابات خاصة، وما قاله دوجاريك صحيح إلى حد ما، فلا وجود لأية عقبات موضوعية أمام هذا الأمر، وما يحتاجه الأمر هو القرار السياسي بذلك، والذي تسعى مختلف هذه الدول إلى تأجيله والمماطلة به للمساومة والتفاوض على المنظومة الجديدة الليبية التي سيجري بناؤها، وما ستتضمنه من اتفاقات قديمة أو جديدة، وما سيلغى منها ولصالح من، وذلك بالتخادم مع القوى السياسية الليبية المحلية، وهنا يبرز الدور «الإسرائيلي» الجديد الذي سنأتي على ذكره لاحقاً.
مجلس النواب والحكومة المؤقتة
يحاول مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح الهجوم على حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة خصمه عبد الحميد الدبيبة، بعد فشل عقد الانتخابات التي تحملت وزرها الحكومة، وكان تيار صالح أحد معرقليها، إضافة إلى انتهاء فترتها المرتبطة بموعد الانتخابات، ليصفها بمنتهية الصلاحية، ودعا لإعادة تشكيلها وإحالة ملفات الفساد المرتبطة بها إلى النيابة العامة، كما طالب محافظ البنك المركزي والنائب العام والأجهزة الرقابية بعدم صرف تمويل للحكومة الحالية إلا بعد موافقة من مجلس النواب، وكان قد طالب لجنة خارطة الطريق المشكلة من مجلس النواب بتحديد موعد حتمي للانتخابات بمدة زمنية أقصاها نهاية الشهر الجاري، ما يعني أن صالح يحاول ضرب حكومة الدبيبة والصعود بمبادرته الخاصة، مما أدى إلى مزيد من التصعيد والتشدد من جهة حكومة الدبيبة والأطراف الأخرى، وتأجلت على إثرها– كأحد الأسباب– بتأجيل الانتخابات الليبية حتى الشهر السادس من العام الجاري.
وقد علقت ويليامز على الأمر، بأن الحل لا يمكن «بتشكيل حكومة انتقالية جديدة» واعتبرت أنها تضغط لإجراء الانتخابات في شهر حزيران، وهو في الحقيقة مرتبط بخروج القوات الأجنبية ووحدة البلاد الاقتصادية والعسكرية.
هل حقاً توجد مساعٍ للتطبيع؟
برزت خلال الأسابيع الأخيرة عدة أخبار تفيد بتواصل بعض القادة السياسيين الليبيين مع العدو الصهيوني، منهم: المشير خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، إلا أن جميع مصادر هذه الأنباء قد كانت وكالات وصحف «إسرائيلية» تداولتها وسائل الإعلام الأخرى، من هذه الأخبار: أن طائرة أقلت صدام حفتر- نجل المشير خليفة حفتر- قد حطت في مطار بن غوريون في شهر تشرين الثاني الماضي لمدة ساعتين، والمصدر صحيفة «هآرتس»، من جهة أخرى زعمت صحيفة «معاريف» سابقاً بأن جهاز الموساد أنشأ قناة اتصال مع خليفة حفتر.
كما زعمت صحيفة «هآرتس» بأن نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام، وهو المرشح للانتخابات، يعيد النظر بالعلاقات الليبية مع الدولة الصهيونية بمقابل دعم الأخيرة له في الانتخابات، كما زعمت وجود اتصالات بينه وبين رجال أعمال «إسرائيليين».
ومن الصحيفة الصهيونية نفسها صدر تقرير يفيد بإتمام لقاء جمع رئيس الموساد ديفيد بارني مع رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة في الأردن، وتباحثا خلاله عن عملية التطبيع والتعاون الأمني.
وبينما أعلن مكتب رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة أنه لم يجر أية لقاءات مع مسؤولين صهاينة في الأردن، ومؤكداً بأن موقفه «ثابت من القضية الفلسطينية»، ولم تصدر أية تصريحات أو بيانات رسمية من جانب حفتر والقذافي.
على أية حال، أن كون مصادر هذه الأخبار هي مصادر صهيونية توضح أن الهدف من نشر هذه الأخبار هو إلقاء بعض الظلال على الشخصيات الليبية والقصد هو خلط الأوراق وتعقيد المشهد الليبي ومنعه من الانفراج.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1054