«قضية الصحراء» مجدداً والهدف الصهيوني الأساسي
في الوقت الذي تتبدد أحلام وأكاذيب الأنظمة التي وقعت على اتفاقات التطبيع، وذلك على وقع تسارع أزمة الولايات المتحدة- الراعي الرسمي لهذه الاتفاقيات- وحالة التخبط غير المسبوقة التي يعيشها الكيان الصهيوني، يتجه النظام السياسي في المملكة المغربية للتبجح بعلاقاته مع الصهاينة، وذلك مع اقتراب مرور سنة على تاريخ توقيع الاتفاقية المشؤومة تحت الرعاية الأمريكية.
تفاعلات كثيرة شهدتها منطقة المغرب العربي عقب زيارة غير مسبوقة لوزير الحرب الصهيوني بيني غانتس إلى العاصمة المغربية الرباط، أبرزها: نشاط شعبي مغربي منظم ومتصاعد رافضاً لخطوات التطبيع التي تقوم بها المملكة. بالإضافة إلى تداعيات إقليمية عميقة ستستمر بالتفاعل في الأسابيع والشهور القادمة.
«لا مرحباً بمجرم الحرب»
الزيارة التي بدأت يوم الثلاثاء 23 من شهر تشرين الثاني الماضي، واستمرت لعدة أيام، لم تمر دون مقاومة شعبية على الرغم من القمع والتشديد الأمني الشديد- وهو ما سنستعرضه لاحقاً في هذه المادة- ورافقت الزيارة إعلانات عن اتفاقات وشراكات بين الكيان والمغرب، وصفها مكتب غانتس بأنها «سترسم الخطوط العريضة للتعاون العسكري بين البلدين»، وما تم الإعلان عنه حتى اللحظة، هو الاتفاق على التعاون في مجالات الاستخبارات والصناعات الدفاعية والأمن السيبراني والتدريب المشترك ويجري الحديث أيضاً عن دراسة إمكانية قيام المغرب بإنشاء وحدتين لإنتاج الطائرات المسيرة استناداً إلى تصاميم وتقنيات «إسرائيلية». ويجري الحديث أيضاً عن إمكانية شراء نظام «باراك 8» للدفاع الجوي ومسيرات قتالية مصنّعة في الكيان الصهيوني بالإضافة إلى البدء بدراسة إمكانية تطوير مقاتلات F5.
وعلى الرغم من حالة الاستياء الموجودة، يحاول النظام المغربي تقديم خطوته هذه بوصفها «انتصاراً للقضايا العادلة للبلاد وخطوة باتجاه وحدة أراضيها»، ويبني النظام المغربي خطابه هذا على جملة من المسائل المغلوطة، التي لا بد من تفنيدها عبر الإضاءة على مهمة الكيان الرئيسية في المغرب و«المنفعة» التي يتمناها النظام القائم من هذا التعاون.
المتاجرة في «الصحراء الغربية»
يرى المغرب، أن الصحراء المتنازع عليها تعتبر جزءاً لا يتجزأ من أرض المغرب التاريخية، وإن كنا لسنا في صدد نقاش تطور قضية الصحراء بالمعنى التاريخي- وهو ما أفردنا له مادة مطولة بعنوان (حكايا سيقصّها الأجداد عن المملكة المغربية) - يهمنا التنبيه لكيفية استثمار النظرة للصحراء بما يعاكس مصالح المغاربة. فقضية الصحراء التي علّقت لسنوات طويلة جرى خلالها تعطيل تطبيق قرارات مجلس الأمن حولها، عادت للواجهة بعد قيام الولايات المتحدة بالاعتراف بسيادة المغرب على هذه الصحراء، وبشكلٍ يخالف قرارات مجلس الأمن، وذلك كطعم لدفع المغرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الحالية ترى ضرورة في إعادة التفكير في خطوة الرئيس السابق دونالد ترامب، مما يضع احتمالاً لسحب هذا الاعتراف الأمريكي، إلّا أن التطبيع قد تم، ويحاول الكيان والمغرب تثبيت أوتاد هذه العلاقات قبل فوات الأوان.
تكمن المشكلة الأساسية اليوم، في أن قضية الصحراء ترتبط بذاكرة شعوب المنطقة بمعارك دموية وتهجير، وترخي الخطوات التصعيدية بظلال التوتر في الإقليم مجدداً، وتحديداً بين المغرب والجزائر، والذي بات يتصاعد بشكل متسارع، مما ينبئ باحتمال تطوره إلى حرب شاملة بين البلدين. ومن هذه الزاوية تحديداً يرى الكيان الجدوى الأولى من وجوده على خط التوتير، فتصريحات المسؤولين الصهاينة أثناء الزيارة وبعدها كانت بمثابة إعلان صريح عن طبيعة الدور الذي سيلعبه الكيان في هذه المسألة، فالمعدات العسكرية التي يخطط المغرب لشرائها ينوي صراحة استخدامها في حربه مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، والتي تخوض معاركاً مع الجيش المغربي دفاعاً عن حقها في تقرير مصيرها ومصير الصحراء التي دافعت عنها لسنوات بوجه عملاء الاستعمار الغربي، مما يحمل رسالة تهديد واضحة للجزائر، والأكثر من ذلك، أن الكيان لم يكتفِ بإرسال الرسائل الضمنية فحسب، بل قال وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد في وقتٍ سابق: إن الكيان «يتشارك مع المملكة القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، والتي باتت أكثر قرباً من إيران، وهي تقوم حالياً بشن حملة ضد قبول «إسرائيل» في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب» مما يجعل ذلك بمثابة تحدٍ وخطرٍ حقيقي يهدد الأمن القومي الجزائري، ويستدعي رداً فورياً، مما يعني ازدياد في التوتر، وزيادة احتمالات توسع المناوشات الجارية بين مقاتلي جبهة البوليساريو والجيش المغربي إلى نزاع شامل بين الجزائر والمغرب.
المصلحة المغربية
النظر لما يجري بوصفه متاجرة بقضية الصحراء يستند إلى كون حل هذه القضية الشائك بالشكل العسكري، وبوجود أطراف خارجية مشبوهة، وذات تاريخ أسود مليء بجرائم الحرب، كالكيان الصهيوني والولايات المتحدة، لن يكون في مصلحة المغاربة الذي يسعون للوحدة مع الصحراء، بل إن ما يجري سينتج الفوضى والدماء، ويفتح بؤرة اشتباك جديدة على الساحة العالمية لن تكون بمصلحة أيٍ من الأطراف المتصارعة. فموافقة النظام المغربي على التطبيع هي جريمة بحق الشعب المغربي، حتى وإن تم تلميعها بعد الكلام الفارغ الذي يردده الصهاينة حول «الصحراء الغربية». وباتت تداعياتها شديدة الوضوح، وأبرز ملامح هذا التوتر، تبرز في الموقف الجزائري المعلن من أنها ترى نفسها المستهدفة من الوجود الصهيوني في المغرب، بعد الإعلان الوقح المغربي- الصهيوني عن التعاون في المجالات الاستخباراتية والعسكرية، وتبرز أيضاً في إعلان قائد جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، عن أن الجبهة باتت مضطرة لـ «تطوير كفاحها المسلح» بما يتماشى مع هذه التطورات وإعلانه أن الجبهة في صدد «تطوير تحالفات عسكرية مع دول أخرى ذات مبادئ داعمة للقضية الصحراوية، بما في ذلك التوقيع على اتفاقيات جديدة لدعم مباشر للكفاح المسلح».
نظرة أبعد للدور الصهيوني
ما الذي يدفع الكيان الصهيوني المأزوم والذي يواجه ظرفاً إقليمياً حساساً للذهاب بعيداً باتجاه المغرب العربي؟ هذا السؤال وغيره الكثير يحتاج لإجابات ربما لن يكون من السهل تقديمها بهذه السرعة، لكن لابد لنا أن نتذكر بأن «قضية الصحراء» كانت إحدى ساحات المواجهة بين «الغرب والشرق» فجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر كانت تحظى بدعم الاتحاد السوفييتي أيضاً، وكانت هذه المعارك الساخنة، بنظر الكثيرين إحدى ساحات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، واليوم ومع عودة الصراع بين الغرب والشرق بشكلٍ جديد تعود الاصطفافات من جديد. فالموقف الروسي والصيني من قضية الصحراء يناقض كلياً الخطوة الأمريكية، ويتماشى مع حل القضية بالشكل السلمي، واستناداً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، أي أننا نشهد مجدداً تحول قضية الصحراء إلى تعبير عن حالة الصراع الدولي الدائر، وهنا يمكن فهم الدافع الجوهري للكيان الصهيوني للتواجد في هذا الميدان بالتحديد، فهو استكمال لمحاولات الضغط على الدول التي لا تزال خارج اتفاقات التطبيع، ويجري استثمار ملف الصحراء بهدف الضغط على الجزائر كخطوة لازمة وأساسية للهيمنة وفرض التطبيع على الجميع.
يحاول الكيان تغليف سلوكه بوصفه استجابة طبيعية «للخطر الإيراني»، على الرغم من أنه يدرك أن كذبة كهذه يمكن أن تكون مقبولة في منطقة الخليج العربي مثلاً، بالقرب من حدود إيران، لكنها غير قابلة للتصديق عندما يجري الحديث عن هذا «الخطر» في المغرب العربي.
المغرب والحراك الشعبي بوجه التطبيع مع الكيان
على الرغم من القمع والتعتيم الإعلامي الشديد الذي يواجه الحراك الشعبي بوجه التطبيع مع العدو الصهيوني، ينجح مناهضو التطبيع وفي كل الساحات في تأكيد وجودهم، ويكسبون زخماً متصاعداً في كل معركة جديدة، وهذا هو الحال في المملكة المغربية التي بدأت تشهد ظهور تشكيلات شعبية وسياسية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني.
شهدت العديد من المدن في المملكة المغربية تحركات شعبية رفضاً لزيارة وزير الحرب الصهيوني، وتصاعدت هذه الاحتجاجات التي قابلتها أجهزة الأمن بالقمع والاعتقال. ففي دعوات منظمة من ناشطين وسياسيين في «الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع» والتي تأسست كاستجابة لتوقيع اتفاقية التطبيع التي وقعها النظام المغربي في العام الماضي.
نجح الرافضون للعلاقات مع الكيان الصهيوني والداعمون لقضية الشعب الفلسطيني في تحقيق جملة من الخطوات لتثبيت حضورهم في الساحة السياسية، ونجحوا حتى الآن في توسيع نطاق انتشارهم واستقطبوا آلاف المشاركين في طول البلاد وعرضها.
وعقدت «الجبهة» ندوة صحفية بمقر النقابة الوطنية للصحافة في الرباط يوم الخميس 2 من شهر كانون الأول الجاري، تحدثت فيها عن خطواتها السابقة واللاحقة في مناهضة التطبيع، وأشارت إلى أن أكثر من 60 مدينة شاركت في وقفات احتجاجية، في تزامنٍ مع معركة القدس والأحداث التي تلتها، وقدمت الجبهة في الندوة الصحفية تفاصيل عن التحركات الشعبية التي قامت مؤخراً، والتي شملت 37 مدينة.
يؤكد الشارع المغربي- عبر هذا النمط من التشكيلات السياسية الجديدة- على رفضه القاطع للتطبيع ودعمه لخيار المقاومة، ويدعو للتراجع عن كل خطوات والخدمات التي يقوم بها النظام المغربي اتجاه الكيان الصهيوني معتبراً هذه الخطوات تفريطاً في استقلال واستقرار البلاد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1047