العراق... انتخابات برلمانية ورفض شعبي
قام العراقيون بإحياء ذكرى انتفاضة تشرين للمرة الثانية في يوم الجمعة 1 تشرين الأول، بمظاهرات في مختلف المدن العراقية، ومن بينها العاصمة بغداد، وقد جاء ذلك قبيل الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد 10 تشرين الأول.
الذكرى الثانية لانتفاضة تشرين
دعا المتظاهرون العراقيون إلى «التغيير» و«محاربة الفساد» وسط حضور أمني كثيف، ومزاج عام يُشير إلى عدم توقّع العراقيين بأن تُحدث الانتخابات أي تغيير فعلي يذكر، وتضمنت اللافتات صور متظاهرين وناشطين قٌتلوا أو اغتيلوا أثناء انتفاضة تشرين 2019 وما تلاها، ومن بين الشعارات واللافتات كان «نريد وطناً نريد تغييراً» و«انتخاب نفس الوجوه مذبحة للوطن» و«كلا كلا للأحزاب الفاسدة، كلا كلا للسياسيين الفاسدين» و «لا تنتخب من قتلني»، لتشكل هذه الشعارات قفزة عن شعار «الإسقاط» السابق، ومن بين اللافتات كان أيضاً: «الثورة ستنتشر في البلاد أسرع من فيروس كورونا، ولا لقاح لها».
وأبدى غالبية المتظاهرين موقفاً بعدم المشاركة بالانتخابات، معتبرين كما عبّر أحدهم بأنهم لن يشاركوا لأنها «ستنتج النظام الفاسد نفسه وستعيد الأحزاب الفاسدة نفسها»
وقد أقدمت السلطات الأمنية في وقت مبكر من بداية تشرين الأول على إغلاق جميع الشوارع والساحات المؤدية إلى ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، ونشرت عدداً كبيراً من القوات الأمنية والقوات المسلحة لمنع وصول المحتجين إليها، كما لوحظ ضعف التغطية الإعلامية لهذه التظاهرات بالمقارنة مع مثيلاتها في السابق، وهو مؤشر على اتفاق ليس الأطراف الداخلية بقمع الاحتجاجات فقط، وإنما الدولية أيضاً، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو بدوره مؤشر على أمر آخر، وهو رغبة هذه الأطراف الدولية بتسيير العملية الانتخابية وإقامة حكومة الجديدة بنفس منظومة «بريمر» دون أي تغيير فعلي بما يضمن استمرار الهيمنة الغربية على العراق ما بعد الانسحاب العسكري منه.
الانتخابات
بعد طول صد ورد ودعوات متباينة بين المقاطعة والمشاركة بالانتخابات من مختلف القوى السياسية العراقية، ومن بينها التيار الصدري الذي أعلن مقاطعته ثم عودته إليها، تشارك جميع القوى التقليدية والمعروفة بهذه الانتخابات، وقد أصدر المرجع الديني علي السيستاني أيضاً بياناً حول الانتخابات يثني عليها ويشجع العراقيين على المشاركة فيها، وسط ترحيب من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ورئيس البلاد برهم صالح وتحالف الفتح الذي وصفه بـ«الفرصة التاريخية».
وبرز تصريح ملفت من برهم صالح يصف بها الانتخابات بأنها «تمهد لمراجعة منظومة الحكم» والذي يُفهم منه بالدرجة الأولى في سياق التطورات السياسية الأخيرة وسلوك الحكومة الأخير، مراجعة تتعلق بالدور الإيراني والعلاقة معه، وفي السياق نفسه كان لافتاً عدم شمول منتسبي قوات الحشد الشعبي ضمن التصويت الخاص الذي بدأ يوم الجمعة 8 تشرين الأول، وهو التصويت الذي يشمل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقد بررت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ذلك بأن هيئة الحشد لم تزود المفوضية بأسماء منتسبيها ووضعهم في سجل الناخبين الخاص، ولذلك فإن المفوضية شملتهم بالتصويت العام، وقد اعتبر الحشد الشعبي هذا الأمر بأنه «مؤامرة تقودها واشنطن وأطراف داخلية وخارجية لتحييد الأحزاب الداعمة للحشد من الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان المقبل»، ويعتقد داعمو الحشد بأن أصواته قد تضيع فضلاً عن حرمان بعضهم من التصويت بسبب التزامهم بمهامهم العسكرية.
وقد قامت مراكز الاقتراع بفتح أبوابها يوم الأحد لبدء التصويت العام كأول انتخابات برلمانية مبكرة تشهدها البلاد منذ 2003، وقالت الناطقة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي، بأن «عدد المرشحين الاجمالي بلغ 3227» ويتنافس في هذه الانتخابات 21 تحالفاً و109 أحزاب سياسية، ويوجد «1249 مراقباً دولياً يشاركون في مراقبة الاقتراع العام».
وجرت الانتخابات وسط حضور عسكري مكثف، وتحليق للطائرات العسكرية «للرصد والاستطلاع ولتوفير غطاء جوي» وفق بيان صحفي عن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، كما أعلنت خلية الإعلام الأمني عن إغلاق المطارات العراقية والمنافذ البرية بين المحافظات، وهذه الإجراءات بأسرها تشير إلى وجود تخوفات فعلية من أية هبة شعبية قد تعيق انتخابات المنظومة.
في خطى التطبيع
بعد مؤتمر «السلام والاسترداد» التطبيعي الذي أقيم في كردستان العراق في 24 أيلول، قال عيساوي فريج وزير التعاون الإقليمي في حكومة العدو الصهيوني يوم الأحد 3 تشرين الأول بأن «الدولة التالية التي قد تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، ستكون العراق على ما يبدو... يمكننا عقد عدة اتفاقات، أمامنا الآن العراق بالإضافة لدولة أخرى مسلمة في الطريق» وهو الأمر الذي يتوازى مع المؤشرات الأمريكية التي تحاول دفع دول المنطقة إلى «اتفاقات ابراهام» قبيل خروجها النهائي منها، ولا يستبعد أن تقدم الحكومة العراقية المقبلة خلال الفترة اللاحقة على المضي بخطوات من هذا النوع، إلا أنها وبكل تأكيد ستكون قاتلة بالنسبة لها ضمن المجتمع العراقي، وستنجم عنها– إن حصلت– أزمة سياسية وعسكرية حادة، وتحديداً ما يتعلق بين إقليم كردستان وباقي العراق، مما يفتح تساؤلاً عن مساعي ومحاولات لتقسيم العراق على غرار دول الجوار.
إن هذه التحركات والتطورات السياسية الجارية في المشهد العراقي- سواء كانت داخلياً أم خارجياً- تستمر بإطلاق ناقوس الخطر من انفجار التوترات دفعةً واحدة، بانتظار شرارةٍ ما لا يمكن التنبؤ بها، بدءاً من نتائج الانتخابات الحالية وتداعياتها وصولاً إلى أية خطوة تطبيع أخرى، ومروراً بلحظة خروج آخر «القوات القتالية» الأمريكية قبل نهاية العام الجاري، فضلاً عن تراجع الظروف المعيشية بشكل حادّ ومطّرد على جميع العراقيين في مختلف مناطق البلاد... إلا أنّ هناك أموراً ثابتة باتجاهها ولا يمكن التغافل عنها، أولها وأساسها: داخلي، يتعلق بإرادة العراقيين وسعيهم لإنجاز التغيير الحقيقي والحفاظ على وحدتهم ووحدة بلادهم، والثاني: الميل العام والاستراتيجي باتجاه الاستدارة لتمتين العلاقات مع دول الشرق، وعلى رأسها الموجودين ضمن ترويكا أستانا والصين، رغم المحاولات الأمريكية المؤقتة بالحفاظ على العراق ضمن المحور الغربي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1039