«داعش» في أفغانستان منتجٌ أمريكي مستورد!

«داعش» في أفغانستان منتجٌ أمريكي مستورد!

التغطية الإعلامية الغربية الكثيفة لتطورات الأوضاع في أفغانستان باتت تأخذ شكلاً مختلفاً، فبعد انشغالها بنشر إحصاءات عمليات الإجلاء ورصد شهادات الأفغان الهاربين، باتت تنشغل اليوم بالحديث المتزايد عن نشاط تنظيم داعش والأعمال الإرهابية التي يقوم فيها مؤخراً، في الوقت الذي بدأت تتوضح الصورة في أفغانستان بعد انقشاع الغمامة التي خلفها انسحاب القوات الأمريكية الخائبة.

اليوم، وعلى الرغم من حساسية الوضع السياسي في كابل، تزداد مؤشرات وجود فرصة جدّية لإرساء الاستقرار في الأراضي الأفغانية المتعبة، فعلى الرغم من إشارات الاستفهام الكبرى الموضوعة على حركة طالبان الأفغانية، إلا أنها تمسك حتى اللحظة زمام الأمور وترسل إشارات طمأنة إلى دول الجوار مقرونة بالمواقف الملموسة.

داعش خراسان أم داعش واشنطن؟

في تصريحات للناطق الرسمي باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد أدلى بها لوسائل إعلام محلية قال: إن «داعش لا تشكّل تهديداً، وإنما تسبب الصداع» وأكد المتحدث أن الحركة قادرة على التعامل مع التهديد الذي تفرضه داعش في أفغانستان، لكن وبعيداً عن الدعاية التي تقوم بها طالبان بهدف إظهار سيطرتها العالية، يحتاج موضوع نشاط داعش في أفغانستان إلى مزيدٍ من المراقبة. فالتنظيم الإرهابي تبنى مجموعة من العمليات التي يتوقع أن تزداد وتيرتها في الفترة القادمة، كان آخرها اغتيال حاكم إحدى المديريات في ولاية ننكرهار شرق البلاد، واستهداف جامع شيعي في ولاية قندوز الأفغانية الواقعة في شمال البلاد، هذا التفجير الإرهابي المروع والذي خلّف عشرات القتلى جاء بمثابة تطور جديد، فبعد أن تركزت هجمات داعش في كابول وشرق البلاد انتقلت الآن إلى منطقة استراتيجية حساسة تقع على الحدود مع طاجكستان وتتواجد فيها أقلية الهزارة الشيعة، التي كانت في حالة من العداء مع حركة طالبان في السابق، ومن هنا تظهر حساسية هذا التفجير، ويكشف هدف من يقف وراءه بدفع البلاد نحو صراع أهلي له طابع طائفي- قومي، وله امتدادات إقليمية، وتحديداً أن استهداف الأقلية الشيعية في أفغانستان ضمن الاستقطاب الحالي يُعدّ رسالة مباشرة إلى طهران التي علّق رئيسها الجديد ابراهيم رئيسي على التفجير الإرهابي ووصفه بأنه «جزء من المشروع الأمني الجديد للولايات المتحدة في أفغانستان».
أصابع الاتهام التي توجهت لواشنطن لم تصدر من إيران فحسب، بل اتهمت أنقرة واشنطن بنقل مسلحي داعش إلى أفغانستان بالطائرات. إن كانت واشنطن تقف خلف نشاط داعش المتصاعد في أفغانستان وهو ما لا يصعب إثباته، وتحديداً بعد النظر في تاريخ داعش وعلاقته مع الولايات المتحدة، يبقى السؤال: ما الذي يدفع واشنطن لاستخدام داعش في أفغانستان، تلك الأرض التي تعتبر منبع الجماعات المتطرفة؟ فداعش الذي جرى استخدامه في أراضي «العراق والشام» بات منتجاً أمريكياً قابلاً للتصدير، وجرى استخدامه في عدة مناطق، ولكن ظهوره في أفغانستان تحديداً، يعكس أن الولايات المتحدة تعاني من نقص في أدوات الفوضى هناك إلى درجة أنها باتت مضطرة لاستيرادها، وهذا التطور يعكس أن المزاج داخل طالبان بات أبعد عن الولايات المتحدة مما كان متوقعاً، وبأن موقف الدول الإقليمية وتحديداً باكستان بات يخدم اتجاهاً مناقضاً لمصالح واشنطن. وتحديداً أن داعش خراسان، وحسب مجموعة من التقارير بات الإطار الجامع لقيادات سابقة منشقة عن طالبان أفغانستان وأخرى عن طالبان باكستان بعد خلافات داخلية وصدامات مع المخابرات والجيش الباكستاني.

مباحثات طالبان وواشنطن

تُعقد في الدوحة مباحثات بين واشنطن وحركة طالبان هي الأولى منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وعلى الرغم من أن تفاصيل اللقاء لم تنشر، إلا أن حركة طالبان كانت قد استبقت عقد الجلسات بإعلان موقفها من أحد بنود جدول اﻷعمال، فالمتحدث السياسي باسم طالبان سهيل شاهين قال في تصريحات لوكالة أسوشيتيد برس: إنه لن يكون هناك تعاون مع واشنطن لاحتواء داعش، وقال: إن الحركة قادرة على مواجهة داعش بشكل مستقل. اللقاء الذي عقد في الدوحة يوم الخميس 8 تشرين الأول لن يشكّل انفراجة في العلاقات بين طالبان وواشنطن، ففي الوقت الذي تحاول الأخيرة ابتزاز طالبان بالاعتراف الرسمي بها، تبدي طالبان فتوراً اتجاه هذه المسألة، وتركز على ضرورة قيام واشنطن برفع كل الإجراءات الاقتصادية التي تعقد الأوضاع في البلاد، مثل: تجميد أموال أفغانستان التي تقدر بـ 10 مليارات دولار، وإعاقة كل المساعدات والإمدادات التي كانت تعتمد عليها البلاد.
ما تراهن عليه واشنطن، هو أن مستوى هائلاً من الضغط الاقتصادي والسياسي- بالإضافة إلى تنامي العمليات الإرهابية المدروسة ضمن تركيبة أفغانستان المعقدة- من شأنه أن يدفع الأمور باتجاه حرب أهلية تتوسع عبر الحدود، مما يسمح لواشنطن بتحقيق أهدافها كما لو أنها موجودة فعلاً. لكن تماسك طالبان حتى اللحظة والرعاية التي يتلقاها الملف من الدول الإقليمية، وتحديداً روسيا والصين يجعل من احتمال إفشال المساعي الأمريكية احتمالاً جدياً.

طالبان حاضرة في «صيغة موسكو»

لاقت سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان ردود فعلٍ متباينة، ففي الوقت الذي اعتمدت الدول الغربية موقف واشنطن في قطع العلاقات الدبلوماسية مع طالبان، وانتقلت إلى محاولة عزلها بهدف تعقيد الأوضاع في البلاد. قامت روسيا والصين بسلوك مختلف فاستمرت سفارتيهما بالعمل في كابل، وأبقيتا على مستوى جيد من الاتصال مع تحفظات واضحة بخصوص سلوك طالبان. اليوم تبدأ الدول الغربية في إعادة تقييم سريعة، فقد زار كابل المبعوث الخاص لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى أفغانستان سيمون جاس في 5 من شهر تشرين الأول الجاري بهدف عقد لقاءات مع قادة الحركة، ومن المتوقع أن يجري لقاءات مماثلة مع الاتحاد الأوروبي قريباً.
يمكن النظر لهذا التغيير في التكتيك الغربي إلى أنهم باتوا يدركون ضرورة الإبقاء على جسور، وخصوصاً أن سلوك طالبان يبدو وكأنه ينسجم مع المقاييس الروسية والصينية للاستقرار في المنطقة، مما يجعل فرص الفوضى أضعف. المحاولات الغربية المتأخرة أقل حظوظاً من غيرها. من المفترض أن تعقد مجموعة العشرين جلسة خاصة قبل قمتها لمناقشة الوضع في أفغانستان قريباً، مما سيعطي صورة أوضح للشكل الذي ستتعامل معه الدول الغربية مع هذا الملف. لكن وحتى انعقاد هذه «الجلسة الخاصة» ستكون طالبان جالسة على الطاولة مع «صيغة موسكو» بعد أن وجهت الخارجية الروسية دعوة لها لحضور الجلسة التي ستعقد بعد أيام قليلة، تبرز أهمية صيغة موسكو من كونها إطاراً مؤثراً يضم كلاً من روسيا والصين وباكستان وإيران والهند، والذي يضع على رأس جدول أعماله تأمين الاستقرار في أفغانستان، وتتمتع هذه الصيغة بكونها كسراً جديداً لحالة من العداء، وتضارباً مفترضاً في المصالح بين الدول التي تجلس إلى الطاولة اليوم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1039
آخر تعديل على الخميس, 14 تشرين1/أكتوير 2021 23:16