خاصرة إيران الهشة… هل تُترك دون تحصين؟
تشهد محافظة خوزستان الواقعة في جنوب غربي إيران، احتجاجات شعبية وأعمال شغب منذ أكثر من 10 أيام، وذلك بسبب النقص الحاد في الموارد المائية في المحافظة مما شكّل ضغطاً كبيراً على سكان المحافظة التي تعد من أغنى محافظات إيران من حيث الموارد، وتستمر التفاعلات الجارية وخصوصاً مع تصاعد العنف بعد المحاولات التي جرت لقمع الاحتجاجات.
تترافق الاحتجاجات الشعبية مع حالة من الضغط الشديد والتجاذب التي رافقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي تغذيها العقوبات الأمريكية من جهة، وتأخير إتمام صفقة النووي الإيراني من جهة ثانية، والتي تراهن طهران بأن حلّها سيخفف من الضغوط الشديدة على الاقتصاد في البلاد، ويسمح بزيادة الواردات إلى الخزينة التي أنهكها الحصار والتكاليف الإضافية للتعامل مع جائحة فيروس كورونا.
ردة الفعل الرسمية
يبدو أن هناك إجماعاً لدى القوى السياسية وأصحاب القرار داخل إيران، بحساسية ما يجري في عددٍ من مدن خوزستان، فمن ناحية لا تستطيع السلطات إنكار مشروعية الحركة الاحتجاجية، وخاصةً أنها تطالب بتأمين أحد أهم أساسيات الحياة، ويدعم هذا التوجه تعليقات الخامنئي التي دافع فيها عن مشروعية الاحتجاجات، دون أن يتجاهل مخاطر استثمارها من أعداء البلاد، ولكن إدراك حساسية الموقف لم يمنع رد الفعل الطبيعي لدى الأجهزة الأمنية التي تعاملت مع الاحتجاجات بالشكل التقليدي، أي عبر محاولة قمعها واحتوائها مما ساهم برفع مستوى العنف، وجهز الأرضية الملائمة لتصعيد الأعمال العدائية التي بدأت ترفع أعداد الجرحى والضحايا والمعتقلين، مع أضرارٍ في الأملاك العامة وسقوط قتيل على الأقل من القوى الأمنية. وعلى الرغم من تحركات الحكومة التي أرسلت مسؤولين رفيعي المستوى لمحاولة الإحاطة بالأزمة وإيجاد حلول للمشكلة المتفاقمة، إلا أن النتائج لم تحقق الحد الأدنى الضروري حتى اللحظة.
خوزستان وتوزيع الثروة
لا شك بأن رفع العقوبات الأمريكية، وتطبيع علاقات إيران مع المجتمع الدولي بشكلٍ فعلي سيساهم في تحسن الأوضاع الاقتصادية داخل إيران، لكن احتجاجات خوزستان لا تعبر عن ضغوط آنية عابرة، بل تؤشر إلى مشكلة واضحة تحتاج إلى تغييرات عميقة، إلى جانب السياسات الإسعافية التي تقوم بها الحكومة والحرس الثوري الإيراني الآن، والتي تهدف لتأمين المياه بأسرع وقتٍ ممكن. فمحافظة خوزستان تعتبر المركز الأول للثروات في إيران، فتساهم هذه المنطقة بأكثر من ثلثي إنتاج إيران النفطي، مما جعلها مركزاً لعدد من مصافي النفط والغاز. وتعد المحافظة مركزاً صناعياً فيه العديد من معامل الحديد والصلب، بالإضافة إلى كون سهول محافظة خوزستان شكلت أحد مراكز الزراعة الأساسية. لكن على الرغم من إسهام المحافظة العالي في الإنتاج الوطني إلا أنها عانت من التهميش لفترات طويلة، وتعد مشكلة المياه إحدى المشاكل القديمة التي يعاني منها سكان هذه المناطق، فالاحتجاجات كانت دورية، وارتبطت دائماً بضعف الخدمات والأحوال الاقتصادية السيئة، وجرى نقاش الوضع المعيشي السيئ داخل البرلمان الإيراني في الكثير من المناسبات، لكن دون أن ينعكس ذلك بالشكل الإيجابي المطلوب، وقد كان من الواضح بالنسبة لأعضاء البرلمان أن الأزمات باتت كثيرة مما فسر الهجرة الكبيرة باتجاه المحافظات الشمالية.
ويؤكد جزءٌ كبير من التقارير الاقتصادية والإخبارية على ضرورة إيجاد حلٍ للمشاكل المتفاقمة، التي وعلى الرغم من وضوحها لم يجرِ التعامل معها بالجدية الكافية، على الرغم من أن محافظة خوزستان تعتبر خاصرة هشة للجمهورية الإيرانية، وتحوي عدداً من التناقضات الطبقية والقومية، يجعلها عرضة للاهتزاز، وخاصة مع معدلات الفقر والبطالة المرتفعة. ويضاف إلى ذلك شعور مواطنيها بالحرمان كونهم أكبر المساهمين في الإنتاج الوطني، وأقل المستفيدين منه، مما يعطي مؤشراً خطيراً على توزيع الثروة على المستوى الوطني.
ليس مستغرباً أن تكون المناطق الأكثر هشاشة أولى المتأثرين بالعوامل الاقتصادية الضاغطة، فالظروف الصعبة التي يعانيها الاقتصاد الإيراني ستترك حملاً مضاعفاً على فقراء البلاد ومهمشيها، ومن هنا يمكننا أن نفهم، لماذا لا تلقى التصريحات المعتدلة للمسؤولين الإيرانيين حول الاحتجاجات أثراً طيباً في خوزستان، فالاحتجاجات لا تنتظر الاعتراف في مشروعيتها فحسب، وهو أبسط حقوقها، وإنما تنتظر حل المشاكل الموجودة. وخصوصاً أن التجربة أثبتت مراراً، أن المناطق التي تتراكم فيها المشاكل دون حل ستنفجر بأقسى الأشكال، وتصبح فرصة لتدخل كل القوى الخارجية التي تسعى إلى زعزعة الأوضاع الداخلية، فلا يمكننا أن نستغرب أن يجري استثمار هذه الأحداث وغيرها من قبل أعداء إيران، بل ما يجب أن يثير الاستغراب هو: ترك هذه المشاكل لتتراكم حد الانفجار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1028