المهاجرون: كبش فداء للفشل!
تروج بعض القوى السياسية في العالم- ومن خلفها وسائل الإعلام التابعة لقوى رأس المال العالمي- جملة من الأكاذيب، تهدف في جوهرها لتحميل مسؤولية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في العالم إلى المهاجرين القادمين من الدول الفقيرة، تفند هذه المادة التي تنشرها قاسيون «بتصرف» عن موقع الحزب الشيوعي الأمريكي (CPUSA) كل الأفكار المغلوطة عن المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأمريكية.
يستمر الجدل حول المهاجرين باحتلال العناوين، ولا يزال المهاجرون الذين لا يحملون وثائق ثبوتية «يبلغ عددهم في الولايات المتحدة 11 مليون إنسان» يغذون إعادة بناء الاقتصاد والمجتمعات دون أن يحصلوا على الفضل في ذلك. هؤلاء المهاجرين عرضة للهجمات الرجعية من كافة الأطراف، سواء حرس الحدود أو قوات الأمن، أو وكالات الهجرة، أو العنصريين الذين يحظون عادة بحماية الأمن. سنقوم هنا بمقارعة الإعلام السائد لنبيّن بعض الأساسيات عن المهاجرين.
لماذا يأتي الكثير من المهاجرين إلى الغرب وتحديداً الولايات المتحدة؟
العمّال والمزارعون الفقراء في المكسيك وأمريكا الوسطى وغيرها من الأماكن حول العالم التي دمرتها ممارسات الولايات المتحدة والشركات الكبرى العابرة للحدود بوسائل مختلفة مثل زعزعة استقرار بلد ما، كما جرى كنتيجة للقوانين التي عرفت باسم «بلان ميريدا» الموقّعة بين الولايات المتحدة وعدد من الحكومات في أمريكا الوسطى في 2008، والتي أسست لقوات عسكرية ارتكبت جرائم ترقى للتطهير العرقي ونشرت عنفاً شديداً تحت ذريعة مكافحة الجريمة المنظمة.
أو مثل ما يسمى «اتفاقيات التجارة الحرة» التي تفرض شروطاً تمنع الدول الأفقر من تلبية احتياجات شعوبها لأجل حماية مصالح الرأسماليين الذين صدّروا الأعمال للاستفادة من العمالة زهيدة الثمن.
كمثال: بعد تطبيق اتفاقية «نافتا» للتجارة الحرة تمّ حرمان 1,3 مليون مكسيكي من عملهم. في الأعوام التالية لتطبيق الاتفاقية، ارتفعت نسبة المهاجرين المكسيكيين الذين لا يحملون الوثائق إلى الولايات المتحدة بنسبة 60%.
أدّى الكساد الاقتصادي إلى عدم استقرار سياسي وزيادة في العنف والجريمة. عنى هذا نزوح آلاف الأطفال والعوائل إلى البلدان المجاورة.
تعمد الشركات الكبرى، وهم الذين يستغلون المهاجرين وغير المهاجرين على حدّ سواء، إلى تحيّين هذه الفرص لتقسيم الطبقة العاملة، وزيادة ثروتها وقوتها من خلال هذه التقسيمات بوسائل كثيرة، مثل: التفريق في الأجور. كما استغلّت الشركات الأمر لتزدهر صناعة السجون الخاصة والتعاقدات مع الشركات الأمنية الخاصة.
ضرب التغيّر المناخي– الذي تسببت به الدول الغربية وتستمر في أعمالها المدمرة للبيئة– البيئات الأصليّة للمهاجرين ووسائل رزقهم المعتاد، مثل: المزارعون في أمريكا الوسطى الذين لم تعد أراضيهم تصلح للزراعة، أو سكان المناطق الفقيرة التي ضربتها العواصف والفيضانات وأدّت إلى نزوح أهلها الذين لم يعودوا قادرين على إطعام عائلاتهم.
لماذا لا يُصلح هؤلاء المهاجرون بلدانهم بدلاً من الهجرة؟
تمارس الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية والكندية والأوروبية عبر حكوماتها وجيوشها ضغوطاً هائلة على البلدان الفقيرة لتبقي اقتصاداتها مفتوحة أمام اختراق الشركات الأجنبية.
عندما تقاوم هذه البلدان هذه الضغوط، تقوم حكومات البلدان الثريّة باستخدام التهديد والرشاوى وحتّى القوة العسكرية لمنعها من اتخاذ إجراءات سياسية تحمي شعوبها.
تقوم هذه الدول عبر هذه السياسة الخارجية الموالية للشركات بدعم الانقلابات والحروب الأهلية والحكومات الدكتاتورية.
هل يتسبب المهاجرون بالبطالة وسرقة أعمال المواطنين؟
في الحقيقة يقوم المهاجرون عبر الأعمال التي يشغلونها بخلق أعمال جديدة، مثال: القطاع الزراعي.
السبب الحقيقي في البطالة متجذر بنقص الأجور التي يتم منحها لجميع العمّال، مهاجرون أم مواطنون. لم يعد مواطنو الدول الثريّة قادرون على تحمّل تكاليف شراء البضائع والخدمات التي ينتجونها أنفسهم.
ليس المهاجرون هم المسؤولون عن ملايين الوظائف التي اختفت بسبب إغلاق المصانع وتصدير الأعمال من أجل تحقيق أرباح أعلى. هذه الممارسات تتحمل الرأسمالية عليها اللوم، وليس المهاجرون الذي قدموا بسبب الممارسات الرأسمالية ذاتها.
ماذا عن معدلات الجريمة بين المهاجرين؟
تشير دراسات عديدة إلى أنّ معدلات العنف أو الجريمة الخاصة بالممتلكات هي أدنى منها بالمقارنة ببعض قطاعات المواطنين في الدول الغربية، وتحديداً في الولايات المتحدة. أمّا السبب في انتشار أساطير الجريمة فهي تركيز المناهضين للهجرة على حالات معزولة لجرائم كبيرة.
محاولة البعض ربط المهاجرين بالإرهاب هي محاولات فارغة بلا أي دليل. وحتّى المهاجرين القادمين من سورية والعراق وأفغانستان، هم عرضة للتدقيق الشديد بحيث لا يمكن أن يكون هناك إرهابيّ بينهم لا تعلم به السلطات الأمنية.
لماذا كلّ هذه الضجّة حول المهاجرين؟
يستمر السياسيون اليمينيون بتشتيت انتباه العامة عن فشل النظام الرأسمالي، وسياساتهم المناهضة للعمّال التي أدّت إلى خسارة الملايين لأعمالهم ومدخراتهم ومنازلهم وأمنهم الاجتماعي. لهذا هم بحاجة لغطاء يلهي عن المتسبب الحقيقي بجميع هذه الأزمات: الـ 1% من النخب الحاكمة.
تستفيد الشركات الكبرى من العمالة زهيدة الثمن التي يشكلها المهاجرون، لكنّهم لا يريدون للعمّال أن يحصلوا على حقوق، ولهذا نسمع في إعلامهم عن مهاجرين مغتصبين وتجار مخدرات وإرهابيين، لكننا لا نسمع عن عمّال يتم استغلالهم بأبشع الطرق.
يخشى اليمين السياسي الموالي لمصالح الشركات من حصول المهاجرين على حقوق سياسية، وتمكينهم من التصويت لاحتمال انضمامهم الكبير إلى المناهضين لـ 1% الأكثر ثراء.
قسم صفوف فقراء العالم!
عندما ينجح رأس المال بإقناع الفقراء في بلدٍ ما، بأن كبار الملاكين والمسيطرين على معظم الثورات هم أقرب إليهم من المهاجرين، أو غيرهم من الفئات المهمشة في المجتمع، يكون قد نجح فعلياً في شق صفوف خصومهم وتأريض قواهم عبر إشغالهم بصراعات ثانوية لن تخرجهم من الجحيم الذي يعيشونه يومياً، بل أثبت التاريخ أن نتائج هذه المعارك الثانوية تسمح لكبار الملاكين بإدراج استغلال أعلى من السابق، وأكثر قسوة من تلك التي اختبروها سابقاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1027