بريطانيا والأفكار المستحيلة
غالباً ما يقف الماضي الاستعماري للدول الغربية عائقاً بوجه بناء شراكات سياسية واقتصادية وتجارية مع مستعمراتها السابقة، ومن هذه النقطة تربح الصين أول نقطة في هذه المنافسة، فالتنين الآسيوي يمثّل للمستعمرات السابقة مثالاً مشرقاً للاستقلال والتخلص من مخلفات الاستعمار، مما يجعله شريكاً مرغوباً أكثر من المستعمرين القدامى.
شكّلت هذه الفكرة موضوعاً للمقال المنشور في مجلة الـ «فورن بولسي»، والذي يناقش فرص بريطانيا لتعويض خسائرها الناتجة عن خروجها من الاتحاد الأوروبي، عبر إعادة إحياء علاقاتها مع مستعمراتها السابقة في إفريقيا.
الماضي الحاضر
مع خسارة بريطانيا لمستعمراتها كنتيجة لحركات التحرر التي انتشرت ومقاومة الاستعمار التي لم تهدأ، وكنتيجة مباشرة للحرب العالمية الثانية، وللتوازن الدولي الجديد الذي نشأ بعدها، شهدت المستعمرات السابقة تحولات سياسية كبرى، وإن لم يصل بعضها لتحقيق الاستقلال الكامل الحقيقي، إلّا أن هذه التحولات باتت عقبة جديدة بوجه المستعمرين القدامى. فالصحفي ذو الأصول الإفريقية، الكاتب للمقال المذكور، يضع عنواناً واضحاً «إذا أراد بوريس جونسن التجارة مع إفريقيا، فتحتاج بريطانيا إلى التوقف عن التصرف كقوة استعمارية»!
وبغض النظر عن الخطوات التي يوردها الكاتب، يبدو واضحاً: أن المسألة لا تُعد جزءاً من الماضي، ففي حديثٍ منسوب للاقتصادي النيجيري يسايو أولونيلوا يقول: إن بلاده تُحمّل بريطانيا جزءاً من المسؤولية للمشاكل الموجودة في البلاد، مثل: انعدام الأمن وعدم الاستقرار الاقتصادي، والمشكال القبلية، والتي تعود بمعظمها إلى سلوك بريطانيا الاستعماري في إفريقيا وسائر مستعمراتها السابقة.
ولا يبدو أن لدى السياسيين البريطانيين نية حقيقية لمعاملة المستعمرات السابقة بشكلٍ مختلف، فعلى الرغم من انتقاء بعض الكلمات، مثل: «الشراكة» و«التعاون» إلّا أن عقلية المستعمر ما تزال هي السائدة، فبوريس جونسون عنون مقاله المنشور في عام 2002 «إفريقيا تعاني من الفوضى، لكن لا يمكننا لوم الاستعمار على هذا»، ليرسخ النظرة الفوقية الاستعمارية ذاتها، بل يقول صراحة: «لربما تكون القارة وصمة عار، لكنها لا ليست على ضمائرنا، فالمشكلة لا تكمن في أننا كنا المسيطرين هناك في يومٍ من الأيام، بل المشكلة أننا لم نعد كذلك اليوم»!
الصين وروسيا في المقابل
تشكّل العلاقات بين إفريقيا والصين وروسيا نموذجاً مختلفاً. فإلى جانب التصريحات المتكررة للسياسيين الأفارقة والتي تشير بشكل متكرر إلى الطبيعة المختلفة للعلاقات مع روسيا والصين، وتؤكد هذه التصريحات: أن الصين وروسيا لا تريان في إفريقيا مستعمرات، بل يجري العمل مع الدول في إفريقيا بشكلٍ مختلفٍ تماماً، فعلى الرغم من أن لهذه العلاقة مكاسب حقيقية للصين وروسيا لا تنحصر بالجانب الاقتصادي فحسب، بل لها نتائج هامة على الجانب السياسي، إلّا أن هذه العلاقات تُبنى بشكل مقبول من قبل جميع الأطراف، وتحمل منفعةً مشتركة للجميع. ففي مقال الفورن بولسي ذاته، إشارة واضحة لذلك: «تعتبر الصين شريكاً أكثر ملائمة بالنسبة لنيجيريا، على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فلا تضع الصين شروطاً صارمة على الإقراض» ورصد المقال: أن الشروط الميسرة للإقراض في إفريقيا والاستثمارات الصينية الكبيرة باتت تزيد من التأثير على السياسية الخارجية لبعض دول إفريقياـ ويورد مثالاً على ذلك، وهو: قطع العلاقات التجارية بين تايوان ونيجيريا التي اعترفت بسياسة بكين القائمة على فكرة «الصين الواحدة».
الهدف البريطاني
تسعى بريطانيا إلى تعويض الخسائر التي تواجهها، لكنها تضع مخارج مستحيلة، فالسياسيون البريطانيون يرغبون بإعادة الثمار التي حصدتها بريطانيا من مستعمراتها القديمة، غير آبهين للتغيرات الجارية، فالتاريخ لا يعود إلى الوراء، وأيام الرخاء التي قامت على نهب ثروات المستعمرات لم تعد قائمة، فالأكثر فائدة من البحث في تاريخ بريطانيا القذر ومحاولة إعادة إحيائه، هو التفكير جدياً بالموقف من الصين التي قد تملك حلولاً لمشكلات بريطانيا المتفاقمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1009