السلوك الأمريكي: إيران نموذجاً..

السلوك الأمريكي: إيران نموذجاً..

يكثر استخدام كلماتٍ، مثل: التخبط، الفوضى، وغياب الإستراتيجية عند الحديث عن السياسات الأمريكية، ويُرد هذا إلى تراجع «هيبة الإمبراطورية» في السنوات الماضية. لكن لا يمنعنا هذا من محاولة فهم السلوك الأمريكي في الملف النووي الإيراني.

لا شك أن السلوك الأمريكي في ملفات السياسية الخارجية يبدو متخبطاً، فترامب عندما أعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني كان أولاً يعبّر عن إرادة شريحة واسعة من القوى السياسية في الولايات المتحدة التي لم يرُق لها دخول الولايات المتحدة في هذا الاتفاق أصلاً، وعلى الرغم من فظاظة سلوك ترامب وتصريحاته حول هذا الملف، إلّا أن ما قام به كان خطوة مدروسة. فالسلوك الأمريكي هذا دفع إيران إلى عزلتها مجدداً، وبالتالي، فرض عليها البحث عن مخارج، ومن هنا كان لابد لإيران أن تقوم بتقوية روابطها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، فإيران استجابت بشكل نشط للضغوط الأمريكية وشهدنا تقاربات– لم تكن بالحسبان– مثل: المناورات العسكرية التي جرت مؤخراً في منطقة الخليج، والتي ضمت كلاً من القوات الروسية والصينية إلى جانب إيران، وشهدنا أيضاً تعاوناً متزايداً في مجالات توريدات السلاح وميادين الطاقة النووية مع روسيا، بالإضافة إلى اتفاقية التعاون الإستراتيجي التي جرى وضع مسودتها بين إيران والصين.

التوجه شرقاً داخل إيران كان الخيار الوحيد ضمن هذه الظروف، وهنا يمكننا أن نسأل: هل كان فريق ترامب غافلاً ولم يتوقع هذه النتائج؟ على الأرجح كان يتوقعها. فترامب والتيار الذي يمثله عملوا على توظيف السياسة الخارجية الأمريكية بهدف دفع البلاد للانكفاء، وظهور تحالفات كبرى، مثل تلك التي نشأت بين إيران والصين وروسيا (وهي كانت موجودة قبل الانسحاب)، تعيق الدور الخارجي للولايات المتحدة الأمريكية، وتزيد من فرص «خطة الانكفاء»، وبالتالي يمكننا القول بأن الضغط الأمريكي المفروض على إيران في ظل الإدارة السابقة، دفع إيران أكثر باتجاه عداء أمريكا وبناء شبكة علاقات بعيدة عن الغرب، ومن هنا قد يرى بايدن في عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي فرصة جديدة لكسر التحالفات التي تهدد الهيمنة الأمريكية، عبر استمالة القوى الليبرالية داخل إيران باتجاه الغرب، وفتح الباب أمام إيران باتجاه «العالم الغربي» بعد أن عاشت إيران وراء «الباب المغلق» لعقود. لكن ما يغفل عنه هؤلاء– إن صح هذا التحليل- هو أننا نعيش اليوم عصراً أطلق عليه الغربيون أنفسهم عصر «أفول الغرب»، فمؤتمر ميونخ في دورته الـ 56 أصدر تقريره الأساس تحت هذا العنوان، فالغرب يعيش آخر أيامه كمفهوم سياسي- ثقافي، وفي ظرفٍ كهذا لا يمكنا توقع «فتوحات غربية» جديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1004
آخر تعديل على الإثنين, 08 شباط/فبراير 2021 00:44