الانتخابات الوطنية في آخره.. هل هو عام التسوية الليبية؟

الانتخابات الوطنية في آخره.. هل هو عام التسوية الليبية؟

من الطبيعي جداً أن يكون مسار الحل الليبي معقداً، ومن الطبيعي أيضاً وجود عراقيل عدة وكثيرة ينبغي حلها وتجاوزها، حيث عمر الأزمة الليبية قد تجاوز العقد بكل ما تخلله من أزمات متراكمة بلا حل، مع وجود انقسامات داخلية رئيسة، ثلاثة بين الأقاليم وقواها السياسية والعسكرية، بالإضافة إلى كونها ساحةً للكثير من القوى الإقليمية والدولية التي تعبث بالملف الليبي.

إن أطراف النزاع الليبي الداخلية الرئيسة الثلاثة هي حكومة الوفاق الوطني (السراج)، ومجلس النواب (صالح)، والجيش الليبي (حفتر)، والإقليمية تحتوي مصر وتركيا وفرنسا بشكل أساس، ومن خلفهم الخليج والاتحاد الأوروبي، أما دولياً روسيا والولايات المتحدة الأمريكية... خلال السنة الماضية، وبعد إعلان وقف إطلاق النار والبدء باجتماعات عدة مختلفة ومتنوعة اتجاه التسوية السياسية، انتقلت هذه الخارطة من مختلف القوى الفاعلة بالأزمة الليبية بالتفاعل داخل أروقة الأمم المتحدة واجتماعات التسوية في كل من تونس والقاهرة وجنيف، في ملتقى الحوار السياسي الليبي، ولجنة 5+5 العسكرية المشتركة، والفريق الاقتصادي الليبي إلخ...

قطبة مخفية: غياب مركز

ما يُعد مشكلةً- بغض النظر عن التفاصيل بعينها- هي الآلية التي تمضي بها هذه التسوية بمختلف اجتماعاتها وأنواع اختصاصاتها من (عسكرية وسياسية واقتصادية)، فمن المهم جداً، والإيجابي، أنها تمضي على التوازي، إلا أن القطبة المخفية خلفها هو عدم وجود تنسيق مشترك فيما بينها، مكوّناً من القوى الليبية نفسها، ليكون مركزاً لهذه الملفات بشكل واضح، كوجود هيئة عُليا تتابع تطوراتها جميعاً؛ ففي حين يجري تقدّم بالجانب العسكري، مثلما جرى أواخر العام المنصرم من وقف إطلاق النار، واتفاق على خروج القوات الأجنبية من البلاد، كان يتعقد المشهد السياسي حول صلاحيات السلطة التنفيذية الجديدة (الحكومة الانتقالية) وكيفية تحديد أسماء المسؤولين فيها، وعن كيفية تمثيلها أكانت على المستوى الوطني العام، أم على مستوى كل إقليم على حدة بشكل أقرب للمحاصصة، لتعيد هذه الخلافات السياسية بدورها إنتاج خلافات في الجانب العسكري تنذر بموجة تصعيدات جديدة، أما الجانب الاقتصادي، وتحديداً منه ما يتعلق بالنفط وإنتاجه، فإنه يدور بفلكٍ آخر لوحده، تستثمره واشنطن عبر سرقة المال الليبي من خلاله، وتُعقد تطور الجانبين السياسي والعسكري به بعد كل تقدّم، وبشكل خفي، حول كيفية تقاسم عائدات الإنتاج النفطي- المتبقية بعد سرقتها- على الأقاليم الثلاثة، أم للمصرف المركزي، ودور المصرف المركزي نفسه بضبط هذه الموارد المالية من عدمه.

عنوان العرقلة بات بالداخل

على إثر نضوج الظروف الموضوعية محلياً وإقليمياً ودولياً لحل الأزمة الليبية، فقد انعكس الحال من كون عنوان العرقلة الرئيسي إقليمي، بين مصر وتركيا بشكل أساسي، إلى كونه داخليّ، ففي حين وصلت حدة التصعيد العسكري منتصف العام الماضي إلى تهديدات بنشوب حربٍ مصرية تركية على الأراضي الليبية، نرى الدولتين الآن تجريان اتصالات مع القوى الليبية المختلفة معها: مصر مع قوى الشرق الليبي (السراج)، وتركيا مع قوى الغرب (حفتر وصالح)، فضلاً عن تعاون الدولتين المباشر فيما بينهما، مثلما صرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن بلاده ومصر تسعيان إلى وضع خارطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية.

بكل تأكيد أن تطور السلوك المصري والتركي فيما يخص دفع التسوية الليبية لا يأتي بوحي من غيبٍ، أو بكونه حسن نوايا او يقظة إنسانية، إنما نتيجة تلك الظروف الموضوعية نفسها التي تسببها الأزمة الليبية وتداعياتها على كلا البلدين في ظل أزمة رأسمالية عالمية عموماً، وأزمة داخلية في كل منها، حيث استمرار تعقد الملف الليبي يُضعف كلاً من البلدين، ويثير اضطرابات داخلية سياسية فيهما، لينتقل عنوان العرقلة الرئيسي إلى القوى الليبية نفسها.

الأثر الدولي خلفها جميعاً

لكن لا يغيب عن بال أحد، بأن خلف كل هذه المجريات والعراقيل، سواء داخلياً أو إقليمياً، يقع الأثر الدولي لكل من موسكو وواشنطن بأهداف كل منهما، والتي يكون تلخيصها بأن موسكو تدفع باتجاه التسوية مع جميع الأطراف، وواشنطن تسعى إلى إدامة الوضع الحالي على ما هو عليه وتعقيده، وإعادة إنتاج الأزمة والحرب خلف التصريحات الحنونة لمسؤوليها، فبالإضافة إلى لعبة النفط وموارده، كان مقترح الأمين العام للأمم المتحدة في الشهر الماضي، أنطونيو غوتيريش، بإرسال قوات مراقبة دولية إلى الداخل الليبي تعبيراً عن محاولة ورغبة أمريكية بالحفاظ على الوضع القائم، الأمر الذي أنتج رد فعلٍ حاسم بالرفض من قبل الجيش الوطني الليبي، معتبراً أن «المقترح يُعد تدخلاً غير مسموح به في البلاد»، إلا أنه وفي الحقيقة، وأكثر من ذلك يعتبر مناقضاً تماماً لاتفاقات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بإخراج جميع القوات الأجنبية من البلاد، وتوحيد القوى الليبية.

الانتخابات في موعدها.. حتى الآن

إن الهدف الرئيس الآن أمام بعثة الأمم المتحدة للملف الليبي والقوى الليبية، هي إتمام إجراء الانتخابات الوطنية المتفق على إجرائها في 24 كانون الأول من العام الجاري بعد تحديد السلطة المؤقتة وصلاحياتها ومسؤوليها، وتحديد دستور جديد للبلاد، وفي هذا الخصوص أعلنت المبعوثة الدولية الخاصة إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز عن تأسيس اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، مكونةً من 18 عضواً لـ «مناقشة القضايا العالقة ذات الصلة باختيار السلطة التنفيذية الموحدة» مشددةً في بيانها على أن موعد الانتخابات الوطنية المحدد يبقى «أمراً ثابتاً وهدفاً لا يمكن التخلي عنه».

معلومات إضافية

العدد رقم:
999