الاتفاق النووي الإيراني والمحاولات الأمريكية الأخيرة
يوسف داود يوسف داود

الاتفاق النووي الإيراني والمحاولات الأمريكية الأخيرة

يمكن من خلال متابعة الملف النووي الإيراني منذ القرار الأمريكي، لتغيير حجم تأثيرها في الملفات الدولية، فمنذ أن أعلنت هذه الأخيرة انسحابها من الاتفاق النووي حتى بدأت محاولاتها لدفع مجلس الأمن الأخير وحتى اللحظة، تتابع المحاولة لدفع الأمور والعودة إلى نقطة البداية، وهو ما فشل وعاد الحديث للشروط التي يمكن من خلالها عودة واشنطن إلى الاتفاق.

أعلنت إيران بأن الحظر الدولي المفروض عليها لشراء وبيع الأسلحة رفع تلقائياً اعتباراً من 18 تشرين الأول 2020 بموجب القرار الدولي 2231 والاتفاق النووي.

قبل أسابيع من ذلك تقدمت إدارة الرئيس ترامب بطلب لتفعيل آلية «سناب – باك» التي تتيح لأية دولة موقعة على الاتفاق إعادة تفعيل العقوبات، بما فيها تمديد حظر الأسلحة، في حال لم تمتثل إيران للاتفاق. إلّا أن الطلب لم يلق دعماً وسط تأكيد على أنه ليس من حق الولايات المتحدة إعادة تفعيل آلية في اتفاق قامت بالانسحاب منه بالفعل.

وكانت إدارة ترامب قد انسحبت بشكل أحادي في أيار 2018 من الاتفاق النووي، بينما لم تنسحب إيران أو أيّ من الدول الموقعة (روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) من الاتفاق، فيما يبدو أنها لا تزال متمسكة بالاتفاق إلى حين إيجاد بديل فعلي عنه، في حين ترى إدارة ترامب أن الاتفاق بصيغته الحالية غير متوازن ويشكل تنازلاً كبيراً لإيران و أعلن في هذا الصدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو 12 شرطاً أمريكياً للتوصل إلى الاتفاق، منها: مطالب شديدة التعقيد بخصوص برنامج إيران النووي والبرنامج البالستي، وهدد بومبيو بفرض عقوبات هي «الأقوى في التاريخ» إذا لم تلتزم إيران بالاتفاق الذي انسحبت أمريكا منه!

وتم فرض حزمتين من العقوبات في آب 2018 وفي تشرين الثاني 2018 على التوالي. بعد فرض العقوبات وقعت خلافات أوروبية حول كيفية التعامل مع إيران، وفي حين أكدت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني «مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي وتطبيقه كاملاً» تم الإعلان من قبل فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن إنشاء آلية مقايضة من أجل الالتفاف على العقوبات الأمريكية.

الهروب إلى الأمام

يظهر الانقسام الأمريكي واضحاً مع اقتراب تسلم جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة ففي حين كان ترامب يصرح في كل مناسبة: بأن الاتفاق النووي فاشل، ولم يحد من نشاط إيران، أكد جو بايدن رغبته بالعودة إلى الاتفاق، ومن ثم التشاور مع «الشركاء والحلفاء» على تعديل الاتفاق أو تطويره.

وفيما يظهر التخبط الأمريكي في تحديد موقف ثابت من الاتفاق، تتعالى أصوات تطالب بعقد اتفاق جديد، ومن بين تلك الأصوات ألمانيا، التي صرح وزير خارجيتها «إن العودة إلى الاتفاق السابق لن تكون كافية، بل يجب أن يكون هناك اتفاق على إضافات جديدة».

ولكن دفع إيران إلى تقديم تنازلات إضافية هو أمر صعب، وفقاً لايلي غيرانيه، الخبير في خطة العمل المشترك في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: إن «الطريقة الوحيدة للتوجه نحو المزيد من المفاوضات مع إيران تكون بتنفيذ الاتفاق النووي وبناء الثقة... مالم يكن الإيرانيون على استعداد لقبوله في عهد ترامب لن يكون ممكناً الآن»

الرد الإيراني

ترفض إيران إضافة أية بنود إضافية أخرى إلى الاتفاقية، خاصة فيما يخص مشروع إيران البالستي، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تشرين الثاني رداً على الدعوات لاتفاق جديد: «لن نعيد التفاوض على اتفاق تفاوضنا عليه مسبقاً».

ويعتبر برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية بمثابة خط الدفاع الرئيسي، وغالباً ما يقارن المسؤولون الإيرانيون النفقات العسكرية المبالغ بها التي ينفقها جيرانها على صناعات الأسلحة واستيرادها مقابل صناعة الأسلحة والطيران الإيراني الخاضعة للعقوبات، وتؤكد إيران أنها لن تقدم تنازلات دون التوصل إلى اتفاق بهذا المجال بين دول المنطقة، دون تدخل القوى الكبرى، الحل الإيراني المقدم من قبل طهران لإنهاء المأزق يدعو إلى حوار إقليمي، وبدون رعاية لقوى عالمية. وتنص «مبادرة هرمز للسلام» الإيرانية والتي يطلق عليها اختصاراً «HOPE» (الأمل) على دعوة جيرانها لمناقشة مخاوفهم الأمنية الإقليمية، وذلك بحسب ما كتب وزير الخارجية جواد ظريف. وبدلاً من المشاركة المباشرة للقوى العالمية تدعم HOPE وجود هيئة دولية عليا للمشاركة، مثل: مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك لرعاية نتائج المحادثات.

امتد هذا الملف لسنوات طويلة، وقد يضيع جوهر هذه القضية في التفاصيل والمهاترات الإعلامية، لذلك يجب التذكير دائماً بأن هذا الاتفاق شكّل محطة لا يمكن العودة عنها، فالاعتراف الدولي بحق إيران في امتلاك برنامج متكامل للطاقة النووية السلمية، والاعتراف بها كجزء من الأسرة الدولية، يعني بحد ذاته تحولاً في العلاقات الدولية، ويعني نجاح إيران بفرض نفسها وفرض برنامجها الوطني ضمن الدول المتقدمة. وكانت المناورة الأمريكية التي جرت منذ انسحاب دونالد ترامب من هذا الاتفاق محكومة بالفشل، فبغض النظر عن الشكل النهائي لتسوية هذه القضية، بات واضحاً أنه لا مجال للعودة عن قرار مجلس الأمن، ولا مجال لصياغة اتفاقٍ جديد، بل هناك طريق وحيد وهو قبول الولايات المتحدة لهذه الخسارة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
998