المغرب يشتري «سمكاً بالماء» ويستقبل «كَهَنة الفوضى»

المغرب يشتري «سمكاً بالماء» ويستقبل «كَهَنة الفوضى»

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن اتفاقٍ لتطبيع العلاقات بين المملكة المغربية والكيان الصهيوني، وأعلن أيضاً وبشكل متوازٍ الاعتراف الأمريكي بشرعية السيطرة المغربية على الصحراء الغربية المتنازع عليها منذ عقود، ليكون هذا الاعتراف تتويجاً للتوجه الغربي بالخروج عن القانون الدولي، وتجاهل قرارات مجلس الأمن في هذا الخصوص.

سيحمل إعلان تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني آثاراً سوداء، لا على القضية الفلسطينية فحسب، بل على المملكة المغربية ذاتها، فالمغرب يحمل في يده الآن ثلاث بطاقات خاسرة، ويبدو أنه لا يدرك هذا بعد، رغم أن اللعبة على وشك أن تبدأ!

البطاقة الأولى: القارب الغارق

لم تدرك المملكة المغربية بعد أن العالم تغيّر، وأن دعم الولايات المتحدة الذي تُعول عليه لن يكون كافياً، فالتراجع الأمريكي لم يعد بالإمكان إخفاؤه. فحتى القوى الغربية الأخرى التي فرضت نفسها لعقود في القارة السمراء، لم تعد تضمن نفوذها. إفريقيا تشهد تحولات كبرى، وتبدو ملامح هذه التحولات في عدد من الملفات ،أبرزها: العلاقات المتينة بين الدول الإفريقية والصين وروسيا، والتي تتوسع يوماً بعد آخر، وتأخذ في بعض الأماكن ملامح الشراكات الإستراتيجية، وينعكس هذا بحجم التبادل التجاري والاستثمارات الكبرى في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية الأساسية، ليأخذ أشكالاً أخرى، منها: التواجد والتنسيق العسكري والأمني، بالإضافة إلى كون روسيا تعمل تدريجياً على أن تكون «المظلة السياسية» لمنظمة الاتحاد الإفريقي، عبر تنسيق النشاط الروسي- الصيني في المحافل الدولية، وتمثيل إفريقيا وقضاياها في تلك المحافل. تراجع النفوذ الغربي والأمريكي مسألة وقت، ويجري بتسارع ملحوظ، وهذا ما يفرض على الأنظمة القائمة كلها، البحث عن مصالحها الحقيقية، لتثبيتها عن طريق الحوار والدبلوماسية بعيداً عن استفزاز الجوار.

البطاقة الثانية: الخروج عن الشرعية الدولية

الاعتراف الأمريكي والغربي بالسيطرة المغربية على الصحراء، يعني العمل صراحة عكس القرار 690 الصادر عام 1991 والذي يعتبر إلى الجانب القرارات الأخرى الداعمة والمتممة له المرجعية الدولية الوحيدة المعترف بها لحل أزمة الصحراء الغربية، وينص هذا القرار على ضرورة إجراء استفتاء لتقرير المصير، يشارك به «الصحراويّون»، وتم إنشاء بعثة خاصة من قبل مجلس الأمن لتطبيق هذا القرار، الذي جرى تعطيله من قبل المملكة المغربية المدعومة من الولايات المتحدة. لكن ما يجري اليوم لم يعد يندرج تحت المماطلة في تطبيق قرار دولي، بل تحت الخروج عن القانون الدولي، فللمملكة المغربية رأي مختلف عن قرار مجلس الأمن، وتسعى وترى في تبني الغرب والولايات المتحدة لخارطة الطريق المغربية هذه «ثمناً لائقاً» للتطبيع مع الكيان الصهيوني. المفارقة المضحكة أنه ليس من الصعب على الولايات المتحدة رفض القانون الدولي، بل بات هذا سلوكاً أمريكياً يومياً، لكن إعلان رفض القانون الدولي شيء، وفرض سيناريوهات بديلة شيءٌ آخر تماماً! فتستطيع الولايات المتحدة إطلاق التصريحات يومياً حول مجمل القضايا، فتطرح ما عُرف بـ «صفقة القرن»، واعترفت بالجولان السوري بوصفه جزءاً من الكيان الصهيوني، وخالفت قرار مجلس الأمن حول البرنامج النووي الإيراني وسحبت توقيعها عن البيان الختامي لمجموعة «5+1»، لكن كل ذلك وغيره لم يغير الكثير على أرض الواقع، لذلك لن يكون اعتراف الولايات المتحدة بنفوذ المغرب على الصحراء العامل الحاسم في هذا الموضوع. بل ما سيجري هو دفع المملكة المغربية لفتح حربٍ جديدة مع جبهة البولساريو، بعد وقف لإطلاق النار استمر أكثر من ثلاثين سنة، وستدفع هذه الخطوة النظام المغربي للدخول في مواجهة مفتوحة مع جارتها الجزائر، ومع دول الاتحاد الإفريقي، ومع الصين، وروسيا التي أعلنت عبر خارجيتها رفضها للقرارات الأمريكية الأخيرة، وتمسكها بقرار مجلس الأمن حول الصحراء.

البطاقة الثالثة: التناقض مع الداخل

لم يكد المغرب قد أعلن عن تطبيع العلاقات مع الكيان، حتى بدأت التفاعلات الداخلية بالظهور، فجزء أساسي من القوى السياسية والشعبية ترفض هذه الخطوة، وحتى القوى التي تعتبر أن الصحراء جزء من المغرب لا تقبل بأن يتم استرداد الصحراء بصفقة مقايضة على حساب الشعب الفلسطيني! يضاف إلى الموقف الشعبي الرافض لهذه الخطوة ليس من الصعب أن تدرك هذه القوى أن المغرب ذاهبٌ إلى مواجهة عسكرية جديدة، وهو ما يمثل استنزافاً لطاقات البلاد وشبابها في معارك غير محسوبة النتائج، وهو ما يفتح الباب واسعاً لمرحلةٍ من عدم الاستقرار الداخلي الذي بات يملك ما يكفي من الأسباب للإنفجار.

ظهر النظام المغربي سيكون مكشوفاً قريباً، ولن يكون من السهل ترتيب الأمور وتجنب الهزات الكبرى، التي لن تشكّل خطراً على النظام المغربي فحسب، بل ستشكل خطراً على وحدة المملكة ومواردها، وستكون للخطوات ضيقة الأفق هذه أثمانٌ باهظة، ستدفع من موارد الشعب المغربي ودمائه وهو ما يجب تجنبه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
996