السياسيون في ليبيا... إما طريق الحل أو مصير الديناصورات!

السياسيون في ليبيا... إما طريق الحل أو مصير الديناصورات!

اتفقت الأطراف الليبية بعد جهود دولية حثيثة، وبرعاية الأمم المتحدة، على جملة من التفاهمات والتوافقات كانت قد جرت خلال الشهرين الماضيين، وكان ما يميز المرحلة، وما سبقها، هو شبه الغياب التام للنشاط الأمريكي عن المشهد السياسي المباشر في صناعة الحل وتطوره... أما وبعد أن جرت خطوات جدية باتجاه التنفيذ، استعاد الأمريكي «حماسه» المُخرب، لتبدأ جملة من الخلافات تُعرقل مسيرة التسوية بالتوازي مع الإنتاج العالي للنفط الذي تجري سرقته من الليبيين.

في آخر اجتماع للجنة العسكرية الليبية المشتركة من الطرفين المتصارعين (5+5) بتاريخ 4 تشرين الثاني، تمّ التوافق على بنود تطبيق وقف إطلاق النار، وأوضحت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، حول هذه البنود أنها «12 بنداً لتطبيق وقف إطلاق النار، أبرزها: تشكيل لجنة عسكرية فرعية للإشراف على عودة كل القوات الأجنبية إلى بلادها، ومغادرة وسحب جميع قوات الطرفين إلى معسكراتها الموجودة على خطوط التماس».

«أية حكومة» ما يهم هو استعادة وحدة الدولة

في 11 من الشهر الجاري أعلنت ستيفاني ويليامز: أن المحادثات في تونس أحرزت تقدماً، وأكدت: أن المشاركين وافقوا على خارطة طريق توضح خطوات توحيد المؤسسات الليبية، وصولاً إلى 16 من الشهر، حين فشل التصويت على منع تولي المناصب في المجلس الرئاسي والحكومة الوطنية لكل مسؤول حكومي أو تشريعي بعد موافقة 61% عليه، إذ لم تبلغ النسبة 75%، وهو الشرط المطلوب لتمرير القرار، وبدأت تظهر الخلافات بين الوفدين الليبيين حول تسمية هذه المناصب الحكومية والتشريعية... لتعبّر ستيفاني عن نتيجة هذا الأمر بشكل دقيق فيما يخص القوى الليبية بقولها: أن «لدى السياسيين الليبيين فرصة الآن ليكونوا في المشهد أو ينتهوا كما انقرضت الديناصورات»... وذكرت سابقاً، بأن «الشعب الليبي يعاني من الفساد وسوء الإدارة.. علينا تغيير هذا الوضع عبر حكومة تكنوقراط، بصرف النظر عمن سيتولى رئاستها». وهو- فيما يخص الوضع الليبي الحالي- أمرٌ فعّال بغية توحيد المؤسسات والبلاد ومجمل الدولة الليبية، بغض النظر عن القوى الليبية المختلفة وأوزانها في الحكومة في هذه اللحظة، بدلاً من وضع العربة أمام الحصان.

لتنتهي اجتماعات تونس من دون التوصل إلى اتفاق حول أسماء أعضاء الحكومة الموحدة للبلاد، والتوافق حول ثلاثة ملفات، هي: خريطة طريق نحو إجراء انتخابات، وشروط الترشح، وصلاحيات السلطة التنفيذية.
وصرّح وزير الخارجية الروسي خلال هذه الفترة حول مجمل التسوية الليبية، بأنه يأمل «أن يكون هذا العمل ناجحاً، والأمر الأهم، أن يتم تنفيذ نتائج هذا العمل، لا أن تبقى ورقة تالية بعد مؤتمر دوري».

التعطيل وسرقة النفط

اجتمع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في باريس، في آخر يوم من مفاوضات تونس، لمناقشة «أهمية» عملية المصالحة السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا، ولسخرية الأمر، فقد صرحت ستيفاني ويليامز بعد انتهاء أعمال المؤتمر عن فتح تحقيق دقيق في مزاعم تلقي بعض المشاركين في الحوار الليبي لرشاوى.

يوم الأربعاء السابق، صادق مجلس النواب الأمريكي على «قانون دعم الاستقرار في ليبيا» وينص القانون على إعداد قائمة بأسماء المخترقين للقانون الدولي ولحقوق الإنسان في ليبيا من كل الأطراف، في مدة أقصاها 180 يوماً من تاريخ إصداره، كما يقضي بفرض حزمة من العقوبات ضد من ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم مالية، أو ساهموا في تسهيل التدخلات الإقليمية، أو شاركوا في غسيل الأموال وتهريب وبيع النفط خارج المؤسسات.
ليؤدي هذا القانون، في هذه اللحظات من التقدم بالحل الليبي، إلى تعميق المشاكل والخلافات سواء بين الطرفين الليبيين، أو في الطرف الواحد نفسه، وبالتوازي مع ذلك ذكرت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية: أنها ناقشت مع شركة «توتال» الفرنسية زيادة الإنتاج، وتوسيع استثمارات الشركة الفرنسية، الذي فيما يبدو أن هذه هي «أهمية» عملية المصالحة، التي تمت مناقشتها بين بومبيو ولودريان، وذكرت وكالة «غلوبال بلاتس» أن سوق النفط العالمية تمكنت من استيعاب الإنتاج المتزايد والمفاجئ لبراميل النفط الليبية، بعدما تجاوز الإنتاج حاليا المليون برميل في اليوم، دون توضيح من يقوم بهذا «الاستيعاب» لكل هذا الضخ النفطي.

يوم السبت، دعت ويليامز بعد ذلك محذرةً، المسؤولين في ليبيا والشعب، إلى «عدم السماح لمن يحاربون بجميع الوسائل» على «إبقاء وضع البلاد كما هو عليه» ... وهي السياسة الأمريكية المستجدة عبر: الاستقرار بعدم الاستقرار.

لا شك أن الطريق لا يزال طويلاً، لكن التوافقات التي تمت- وإن كانت غير كافية حتى اللحظة- تعتبر مثالاً واضحاً على إمكانية الوصول إلى حلّ مرضٍ، فعلى الرغم من أن الأطراف المتعنّتة سواء أكانت داخلية أو خارجية تستطيع حتى اللحظة تعطيل مسار المفاوضات، لكن هذه القدرة ستكون محدودة إذا ما تكثفت الإرادة الدولية في اتجاه الحل. عندما قالت وليامز: إن «لدى السياسيين الليبيين فرصة الآن ليكونوا في المشهد أو ينتهوا كما انقرضت الديناصورات» كانت تعبّر سواء أدركت ذلك أم لم تدركه، أن ظروف حل الأزمة الليبية قد باتت ناضجة، وأن الأطراف التي لن تستطيع التأقلم سيكون مصيرها «متحف الشمع»، لكن هذا لا يشمل الأطراف المباشرة في الأزمة الليبية فحسب، بل يشمل كل القوى الإقليمية والدولية، التي تلعب دوراً في إعاقة الحل. والحديث المتداول عن رشوى تلقاها البعض، ما هو إلى بداية لممارسات تهدف إلى الضغط على مسار الحل، فبغض النظر عّمن هي تلك الأطراف التي تلقت هذه الرشاوى، لكن هذه الممارسات ستزداد مع تقدم الحل، ولن تقف عند الإغراءات المادية، بل ربما تصل إلى أشكال ضغط أخرى تعتمد الترهيب، وهنا يقع على عاتق رعاة العملية السياسية إغلاق كل السبل أمام هذا النوع من الضغوط، لما يشكله من خطرٍ على مستقبل العملية السياسية الليبية.

لتحميل العدد 993 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
993
آخر تعديل على الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2020 15:47