واشنطن ترسل دعواتها فهل من مستجيب؟!
تماشياً مع سلوك الولايات المتحدة المحموم لمواجهة الصين، وبناء تحالف مضاد لها في آسيا، قام وفدٌ أمريكي رفيع المستوى بزيارة للهند لتليها جولات متفرقة أخرى في آسيا، وليكون العنوان العريض المعلن والمكرر لهذه الزيارات هو: «وضع حدّ لنفوذ الصين المتنامي» وبناء هذا التحالف «الواعد» والقادر على التعامل مع «التهديد الصيني».
استضافت العاصمة الهندية نيودلهي الجولة الثالثة من اللقاءات الأمريكية- الهندية، والتي تعرف باسم «2+2» لأنها تضم وزراء الخارجية والدفاع من كلا البلدين. وتركز هذه اللقاءات حول آفاق وإمكانية التعاون الإستراتيجي والعسكري والاقتصادي بين البلدين، ولكن الهدف الأساس والمعلن من هذه المشاورات واللقاءات، هو آفاق تجنيد شبه القارة الهندية لصالح الولايات المتحدة في معركتها ضد الصين، وتحديداً عبر توحيد جهود مجموعة كبيرة من دول آسيا لتشكل طوقاً برياً وبحرياً في وجه التنين الصيني.
على ماذا جرى الاتفاق؟
جرى الإعلان عن توقيع 5 اتفاقيات بين البلدين شملت مجموعة متنوعة، منها: التعاون في مجال الطاقة النووية، والتعاون العلمي في علوم الأرض، بالإضافة إلى اتفاقية للتعاون في مجال الطب الشعبي الهندي. لكن الاتفاقية الأبرز بين تلك التي جرى التوقيع عليها هي التي أعلنتها وزارة الدفاع الهندية يوم الإثنين 26 تشرين الأول، وهو اتفاق عسكري لتبادل بيانات الأقمار الصناعية «BECA»، والذي يمكّن الهند من الوصول إلى البيانات الطبوغرافية والبحرية، وتلك المتعلقة بالطيران والفضاء الجوي، من أجل زيادة دقة أسلحة، مثل: الصواريخ والطائرات المسيرة. يجري الحديث أيضاً عن رغبة واشنطن بيع طائراتF18 الأمريكية إلى الهند، وذلك في محاولة جادة لتأمين بدائل عن السلاح الروسي الذي بات مطلوباً من قبل الهند أكثر من أي وقتٍ مضى، لكن وحسب وسائل إعلامٍ أوروبية يتبين أن الهند لا تسعى إلى شراء المعدات الحربية فحسب، بل تأمل في أن تحصل على التكنلوجيا الخاصة بهذه الأسلحة، لكي تستطيع تصنيع هذه المعدات العسكرية على أراضيها. لكن لا يبدو أن لدى واشنطن نيةً للقيام بذلك، ومن هنا يبدو أن لروسيا حظوظاً أكثر ببناء هذا النوع من الشراكة مع الهند.
ويبدو بشكلٍ واضح من خلال رصد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر، أثناء اللقاء الذي تم في نيوديلهي، وجمعهم بنظائرهم في الهند، أن الولايات المتحدة ترى في الخلاف الحدودي الهندي- الصيني فرصة حقيقة لتأجيج الشقاق الحاصل، أملاً في تسخير الرؤوس الحامية لخدمة المصالح الأمريكية في آسيا، فدور الوسيط الذي سعت الولايات المتحدة إلى لعبه في حل النزاع الهندي الصيني لم يعد كافياً لإخفاء النوايا الأمريكية الخبيثة، فكانت المباحثات العسكرية هذه منصبّة على توريط الهند أكثر في نزاع عسكري مع جارها العملاق الذي يتفوق عليها عسكرياً، لذلك دار الحديث حول تطوير قدرات الجيش الهندي في مواجهة خصمه الصيني المفترض، عبر تمكين الهند من الوصول إلى بيانات حساسة وتطوير قدرات جيشها، لخوض معارك في الظروف الجوية القاسية والباردة «نظراً لأن جبال الهيملايا هي المكان المفترض لهذه المعارك».
الرد الصيني
لم يحاول وزير الخارجية الأمريكي إخفاء سبب جولته الآسيوية هذه، بل أعلن صراحة عن المواضيع المدرجة على جدول الأعمال ضمن هذه اللقاءات، ليكون من ضمنها «التصدي لتهديدات الأمن والحرية التي يمثلها الحزب الشيوعي الصيني»، وليتابع هذه التصريحات في سريلانكا لاحقاً، حيث وصف الحزب الشيوعي الصيني «بالحيوان المفترس»، مدّعياً أن بلاده إنما تسعى إلى السلام والعلاقات الطيبة مع الجميع». وبالإضافة إلى هجومه المتكرر على «الشيوعي الصيني»، أعاد وزير الخارجية الأمريكي حديثه حول ضرورة تحميل الصين للمسؤولية عن انتشار فيروس كوفيد-19 وضرورة دفعها للتعويضات لكل من تضرر من هذا الوباء العالمي.
من جانبها ردت السفارة الصينية في الهند عبر بيانٍ رسمي على ما قاله بومبيو، وحثت السفارة الولايات المتحدة على «احترام الحقائق وهجر عقلية الحرب الباردة والعقلية الصفرية، والتوقف عن المبالغة فيما يسمى (تهديد الصين) والتوقف عن أفعالها الخاطئة التي تقوض السلام والاستقرار الإقليميين»، وأملت السفارة في بيانها «أن يستطيع السياسيون الأمريكيون التركيز على استجابتهم للجائحة، وحماية الأرواح بدلاً من تحويل اللوم إلى آخرين». أما فيما يخص المشكلة الحدودية مع الهند، فقد ذكر بيان السفارة الصينية بأن هذه المسألة هي مسألة ثنائية بين البلدين اللذين يقومان بشكل ثنائي بنقاش الانسحاب وعدم التصعيد في المناطق الحدودية، من خلال قنواتهم الدبلوماسية والعسكرية، وذكّر البيان: أن «الصين والهند لديهما من الحكمة والقدرة ما يمكّنهما من التعامل مع الخلافات القائمة بينهما بطريقة مناسبة. وليس هناك مجال لتدخل طرف ثالث».
متى تنتصر واشنطن في آسيا؟
لا يمكننا القول: إن الهند لا ترغب في أن تدعم موقفها في مواجهة الصين، ويبدو واضحاً أنها تعول ولو جزئياً على دعمٍ أمريكي في هذه المعركة، وبالوقت الذي يرى بعض الخبراء العسكريين أن للاتفاقية الموقعة بين البلدين أهمية حقيقية، يرى آخرون أن ما جرى الاتفاق عليه لن يقلب الموازين، ولن يسهم في انقلابات غير محسوبة في المنطقة، وهو ما نرجحه.
لكن ما ينبغي الوقوف عنده هو سبر ما أنجزته واشنطن في آسيا حتى اللحظة، فالحوار الأمني الرباعي المعروف باسم «Quad» والذي انطلق بدعم من واشنطن منذ 2007، والذي ضم كلاً من اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة كان يسعى إلى وضع حد للنفوذ الصيني المتسارع، حتى لو تطلب الأمر إجراءات عسكرية وأمنية، فبعد مرور 13 عاماً على هذا «الحوار البناء» أصبح النفوذ الصيني أكبر وأمتن، بل وأصبح الوزن العسكري الصيني أعلى بمراحل مما كان عليه قبل عقدٍ من الزمن، وأصبحت حتى الدول الأربع «المتعاضدة» في مواجهة الصين ترغب في حفظ طريق العودة مع بكين، لما باتت تلعبه هذه الأخيرة من دورٍ كبير في المنظمات الدولية وفي الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من أن واشنطن لم تتعب بعد من جولاتها المكوكية، إلا أن الوقت قد حان لنقاش الجدوى من كل هذا! فالحلف السياسي العسكري الذي ترغب واشنطن ببنائه كسياج للصين، لم يكبر كما أملت، بل إن المضحك أكثر هو أن الدول الأربع هذه هي الهند التي وإن كانت تختلف مع الصين في عددٍ من القضايا، إلا أنها شريكٌ لها ضمن دول بريكس، وعلى علاقة طبية مع روسيا حليف الصين الإستراتيجي، وهناك أستراليا التي ما أن شعرت أن وجودها في هذا التحالف قد يهدد علاقاتها مع الصين حتى بدأت تتردد في المضي بهذا الطريق الموحش، مما يجعل هذا التحالف قائماً على اليابان التي ستكون مضطرةً لحساب خطوات منفردة كهذه، وخصوصاً بسبب جيرانها «الصين وروسيا وكوريا الشمالية» مما يجعل الولايات المتحدة وحيدة مجدداً في حفلة الشؤم هذه!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 990