موجة ثانية لكورونا وموجة ثانية من «الربح»

موجة ثانية لكورونا وموجة ثانية من «الربح»

مع عودة الموجة الثانية من جائحة كوفيد-19، يعود تطبيق سياسة الإغلاقات الجزئية، أو الكاملة على دول العالم، بسبب خطورة الوضع، مؤكدة نتيجة واحدة، هي: فشل كل هذه الحكومات في التصدي للوباء في موجته الأولى، وجعلنا بذريعة «مناعة القطيع» فريسةً سهلة للفيروس.

مع كتابة هذا المقال، سُجل نحو 46 مليوناً ونصف مصاب «كوفيد-19» حول العالم، 9 ملايين ونصف منهم في الولايات المتحدة الأمريكية، ونحو 10 ملايين في أوروبا، علماً بأن الأرقام الحقيقية «غير المسجلة» تتجاوز هذه الأرقام بأضعاف حسب تقديرات الخبراء.

وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في يوم السبت، عن إعادة فرض «الإغلاق الشامل» على المملكة المتحدة لمدة شهر ابتداء من 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد أن تجاوزت حالات الإصابة بكوفيد-19 في بريطانيا حاجز المليون، وتحذير العلماء من أن الفيروس ينتشر بشكل أسرع من أسوأ توقعاتهم.

إذ سجلت بريطانيا أكبر عدد رسمي من حالات الوفاة في أوروبا بسبب كوفيد-19، كما سجلت أكثر من عشرين ألف حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا يومياً، بعد سياسة «مناعة القطيع»، وحذر العلماء من احتمال تجاوز السيناريو «الأسوأ» المتمثل في وفاة ثمانين ألف شخص.

ومع الارتفاع المهول للإصابات في عدد من البلدان الأوروبية، قررت النمسا واليونان أيضاً تشديد إجراءات الإغلاق؛ لتفادي مزيد من الضحايا والحد من انتشار كورونا.

إغلاقات «شاملة» وحكومات «حنونة» ترضخ لرغبات شعوبها

بدأت موجة الإغلاقات الأخيرة في أوروبا، حيث أعلنت فرنسا، ثم ألمانيا، وأخيراً بريطانيا، عن تطبيق ما أسموه «إغلاقاً كاملاً» أو «شاملاً» كما في الحالة البريطانية، على البلاد، بيد أنّ هذه الإغلاقات «الكاملة»، إذا ما تتبع المرء قائمة استثناءاتها التي تشمل فيما تشمل: المدارس والعمل! بالإضافة إلى ممارسة الرياضة وشراء الأساسيات والأدوية ورعاية الحالات الخاصة وغيرها، مع طلب الالتزام «بالحجر الطوعي» في المنازل من قبل المواطنين، أو فرض حظر تجول جزئيّ وبأوقاتٍ محددة... إلخ، فإن خلاصة كل هذا تصبح ما تُدعى بالإغلاقات «الكاملة أو الشاملة» ليست أكثر من إغلاقات جزئية ومحددة زمنياً.

ولو قُدر لهذه الحكومات ألّا تقيم حتى هذه الإغلاقات الجزئية، لضمان سير اقتصادها الخاص، وتدفق أموالها وأرباحها، لما فعلته، وهو ما تستثمره من خلال التظاهرات التي تطالب بـ«عدم الإغلاق» وعدم «فرض ارتداء الكمامات» وغيرها، لتصبح ذريعةً بيد الحكومة لتختبئ خلفها... فهل يُعقل لها أن ترفض رغبات شعوبها التي لا تريد «إجراءات مكافحة الكورونا»؟

لكن، وبالنسبة لهذه التظاهرات، سواء في أوروبا أم أمريكا الشمالية أو اللاتينية وغيرها، وحتى لعموم السكان، فإن بها سيكولوجيا واحدة عامة باتت تجمعها وتحركها تجاه هذه القيود، اختصارها: بئس وفشل تجربة الإجراءات والإغلاقات السابقة التي لم تسفر عن أي أثر جديّ في القضاء على الجائحة أو احتوائها، وجل ما أنتجته تضييقٌ حياتي، وطردٌ من العمل بذريعة الوباء، وارتفاع مستويات البطالة، ونشر الذعر والخوف، وفقدان بعض المواد والأساسيات، ومنع التجمعات، وانخفاض مستويات المعيشة وتقليص الأجور، وتقليص أماكن الأنشطة الترفيهية وإلخ.. وكل ذلك ليُنتج لهم: موجة ثانية! بل ويجري تسويقها على أنها «أوسع» و«أكبر من المتوقع».

على أيّة حال، فإن هذه الإجراءات عموماً، ورغم عدم سعيها- ولا حتى قليلاً- في القضاء على الجائحة، إلا أن هدفها ذي الحدّ الأعلى، هو محاولة إبقاء منحنى عدد الإصابات تحت خطّ قدرة الجهاز الصحي في البلاد على التحمّل، ولا نظلم «حكومةً» حين نقول: إن هذا الهدف بحد ذاته يُعبر عن إدارة هذه الحكومات لاستثمار الوباء في القطاع الصحي، واستدرار الربح من الأزمة، عبر الأدوية، وعبوات الأوكسجين، والمنافس، والمعقمات، والكمامات، والتجهيزات الطبية، حيث جميعها سوقٌ مربحٌ وأساسي.

«تفاجأنا» للمرة «الألف»

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة له، الأربعاء: «مثل كل جيراننا، يغرقنا التسارع المفاجئ للوباء بفيروس يبدو أنه يكتسب قوة مع اقتراب الشتاء، وانخفاض درجات الحرارة»، وأضاف «مرة أخرى، يجب أن نتحلى بالكثير من التواضع، فنحن جميعاً في أوروبا متفاجئون بتطوّر الفيروس»، قبل أن يعلن عن فرض حجر لمدة شهر واحد على الأقل.

لجونسون وميركل وترامب والعديد من هؤلاء الساسة «المتفاجئين العظام» تصريحات مشابهة لماكرون حول «تفاجئهم» هذا... مثلما تفاجأوا بالموجة الأولى بعد كل التحذيرات الصينية، وكل تحذيرات منظمة الصحة العالمية، وبعد مصيبة إيطاليا، التي أعطتهم، مثلما كانوا يمتلكون الآن، الكم الأكثر الكافي من الوقت للقيام بالتجهيزات والإجراءات المطلوبة، لا للتحكّم بعدد الإصابات وتناسبه مع الجهاز الصحي، وإنما حرفياً لمحاصرة واحتواء الجائحة تماماً، وإبقاء الفيروس تحت المراقبة على أعلى وأوسع مستوى.
والآن نقولها مرةً بعد أخرى: إذا ما استطاع الصينيون- الذين لم يمتلكوا أي وقتٍ لأية تجهيزات، وذوي التعداد السكاني الهائل، وأول من أصيب بالجائحة- محاصرة الوباء والتحكم به وسقفه عند مرتبة الـ 80 ألف مصاب، فلا شيء يمنع أية دولة أخرى من القيام بالمثل، بأعلى درجات التنظيم بعد تسخير كل التكنولوجيا المطلوبة للهدف «الإنساني»، بيد أن الفرق، كله، هو الهدف «الربحي» خلف شعارات الديمقراطية والحرية والإنسانية الجوفاء الخالية من مضامينها في المنظومة الغربية.

اللقاحات والنصر السياسي

في الحقيقة، بعد فشل حكومات المال في التصدي للجائحة، وبعد رد فعل الشعوب اتجاه إجراءاتها الخلبية، أو مناعة قطيعها، فإن الحل الوحيد المنتظر هو اللقاحات، بيد أنه حتى هذا الأمر يمضي بمضاربة ومنافسة في السياسة والربح على أعلى مستوى بين هذه الحكومات، وشركات الأدوية من خلفها، فلا يمكن السماح للقاحات الروسية والصينية أن تغزوا العالم! هذا ما يعملون عليه، حقاً، بيد أنهم، وعلى الرغم من توصلهم إلى عدد من اللقاحات أيضاً، تبقى كلف إنتاجه بسبب «عقدة الربح المستشرية» أعلى من نظرائه الشرقيين، وأغلى على الحكومات وشعوبها... إن النصر السياسي في معركة «الوباء الفيروسي» قد سُطّر لدول الشرق، انطلاقاً من هدف «الحياة والإنسان» في مواجهة «المال والربح» في الغرب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
990