المملكة المتحدة وسيناريوهات التقسيم!
عتاب منصور عتاب منصور

المملكة المتحدة وسيناريوهات التقسيم!

تعود مشكلات المملكة المتحدة البريطانية لتطفو على السطح ذلك بعد أن جرى إخفاؤها خلف جائحة كورونا ورغم رغبة نخبها السياسية بأن تختفي هذه المشاكل لحظة رفع الغطاء عنها، إلا أنّ هذا لم ولن يحصل، بل يظهر على السطح اليوم أحد أبرز المشكلات التي تهدد «وحدة» هذه المملكة أصلاً. 

مع بدء العمل في مفاوضات بريكست كان يبدو أن بريطانيا لن تتجاوز مشكلاتها بمجرد توقيع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، فبعض المشكلات العالقة لم يعد بالإمكان إيجاد حلٍ لها ضمن المعطيات الحالية، وهو ما بات يرخي بظلاله الثقيلة على للمملكة التي أنهكها فيروس كوفيد-19 لا لما له من مزايا قاتلة فحسب، بل بسبب سياسات حكامها، الذين ارتأوا ترك الشعب لملاقاة مصيره بعد إقرارهم بعجزهم عن إدارة هذه الأزمة.

إيرلندا موحدة
يعني مملكة مقسمة!

كانت إحدى المشكلات التي واجهت بريطانيا في رحلة خروجها من الاتحاد الأوروبي هي مشكلة إيرلندا الشمالية، والتي يمكن تلخيصها بشكل بسيط بأن الاتحاد الأوروبي شكّل حلاً مؤقتاً لأزمة إيرلندا التي سيطرت بريطانيا على جزئها الشمالي، وجرى فصله عن الجزء الجنوبي من البلاد، لكن وجود إيرلندا الجنوبية والمملكة المتحدة كدولٍ أعضاء في الاتحاد الأوروبي خفف من وطأة هذه الأزمة بعض الشيء. فلم يعد هناك مبرر لزرع حدود برية تفصل بين الجزء الشمالي الخاضع للسيطرة البريطانية، وبين الجزء الجنوبي المستقل، لكن ومع خروج بريطانيا من الاتحاد لن يكون هناك مجال لتجاهل هذه المشكلة، فإما أن تبقى هذه المنطقة دون حدود برّية، ما يعني إمكانية لتدفق البضائع من الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا وما يعنيه هذا من ضربٍ لمشروع بريكست، الذي يهدف إلى ضبط هذا التدفق أملاً في إحياء الاقتصاد البريطاني.

كيف عادت المشكلة إلى السطح؟

أعلنت الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون عزمها على تعديل في البرتوكول الموقع مع الاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية خروج بريطانيا من هذا الاتحاد، ورغم وصف هذه التعديلات بالـ «الطفيفة» إلا أنها مسّت أحد الأجزاء الأكثر حساسية في هذا البرتوكول، فالحكومة تطرح تشريع قانون يسمح بضمان استمرار تدفق البضائع البريطانية إلى إيرلندا الشمالية، وهو ما يعني محاولة صريحة لإسقاط الاتفاق.
مشكلة التعديل الأساسية وبعيداً عن تفاصيله، هي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ورغبتها في تثبيت سيطرتها على الجزء الشمالي من إيرلندا، يعني إسقاط الجزء الأساس مما عرف باسم معاهدة «الجمعة العظيمة» لعام 1998، والتي أقرت إلغاء الحدود البرية الفاصلة بين إيرلندا الشمالية والجنوبية، وهو ما أوقف الصراع العنيف بوجه الحكم البريطاني، والذي استمر لأكثر من 30 سنة. وأما السيناريو الآخر فترى فيه بريطانيا خسارة محتومة لسيطرتها على الجزء الشمالي من الجزيرة الإيرلندية أي: التنازل عن أحد الأجزاء «المتحدة» لهذه المملكة.

البعد الآخر للمسألة

من زاوية أخرى، لقد شكّل هذا الطرح صدمةً بين القوى السياسية الأساسية في بريطانيا، والتي رأى جزءٌ منها أن سلوك جونسون سيجعل من بريطانيا بلداً خارجاً عن القانون الدولي! فهي تسعى إلى تغيير اتفاقية بعد التوقيع عليها، ويجري هذا التعديل من طرفٍ واحد.
وتعالت الأصوات المعارضة لهذه الخطوة من أطراف المعارضة الداخلية، فقد صّرح إد ميليباند أحد مسؤولي حزب العمال البريطاني رداً على هذه الخطوة: «لم يخطر على بالي قط أن يصبح احترام القانون الدولي مسألة خلاف في البرلمان.. لم أتخيل أبداً أن يأتي ويقول: سنشرع لخرق القانون الدولي بشأن اتفاقية وقعناها قبل أقل من عام» واعتبر أن سلوك جونسون هذا «يشوه سمعة هذا البلد ويسيء إلى منصبه»، وتشاركت وجهة النظر هذه مع مجموعة من القوى الأخرى، منهم: رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، والتي عبّرت عن قلقها من هذه الخطوة.

الرد

أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، فون دير لاين عن قرار المفوضية بتوجيه «رسالة إنذار رسمية للحكومة البريطانية». وأضافت: إن هذه الخطوة الأولى ضمن إجراءات تتعلق بالإخلال باتفاق بين الطرفين. لكن وعلى الرغم من هذه الخطوة التي قامت بها بروكسل، يبدو أن فريق جونسون سيمضي في مشروعه الإشكالي، وهذا ما سيعني تعثر تنفيذ اتفاق بريكست بعد أن تعثر توقيعه لسنوات. أي: إن بريطانيا ستعود لدخول هذه الدوامة التي لم تخرج منها أصلاً، وإن كان الاقتصاد البريطاني سمح بهذا القدر من المناورات واستطاع تحمل الضغوط في الفترات السابقة، إلا أن تطور الأحداث الحالي لن يمر دون خسائر كبرى قد تبدو آثارها واضحة على المستويات كافة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
986
آخر تعديل على الإثنين, 05 تشرين1/أكتوير 2020 18:07