أمريكا «تشد ظهرها» بالحليف الدومينيكاني..!
لم يكن مستغرباً أن تفشل الولايات المتحدة في تمديد قرار حظر توريد السلاح إلى إيران، فالموقف من إيران اختلف كثيراً منذ بدأت الأمم المتحدة فرض العقوبات عام 2006، لكن ما جرى في مجلس الأمن لا يعكس فقط تبدل الموقف من إيران، بل يعكس أولاً رغبة المجتمع الدولي بتنفيذ اتفاق إيران النووي في لوزان 2015، ويعكس قبل كل شيء وزناً أمريكياً منخفضاً وعزلة لم تُشهد من قبل.
عقد مجلس الأمن منذ أيام في 4 آب جلسة التصويت على مشروع قرار أمريكي لتمديد حظر الأسلحة الدولي المفروض على إيران، وكانت الأجواء توحي بأن القرار لا يحظى بالدعم الكافي، لكن الولايات المتحدة طرحته للتصويت لتمتنع 11 دولة عن التصويت من بينها: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وصوتت ضد القرار كل من روسيا والصين، فيما لم يلق دعماً إلّا من الولايات المتحدة الأمريكية وحليفهتا المخلصة جمهورية الدومينكان، ليطوى بذلك القرار، ويطوي معه حظر الأسلحة الذي فرض على إيران منذ 13 عاماً.
العالم و«القرار 1747»
يعد القرار 1747 مفصلاً من مفاصل ملف البرنامج النووي الإيراني، فقد قدم لمجلس الأمن في العام 2007 من قبل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وجرى إقراره بإجماع أعضاء مجلس الأمن، وفرض هذا القرار حزمة من العقوبات على إيران كان من ضمنها حظراً شاملاً على توريد السلاح، وتحديداً كُل ما من شأنه تبديل الموازين العسكرية لصالح إيران، ومنعها القرار من شراء الطائرات والدبابات والغواصات وغيرها من الأسلحة النوعية، وعلى الرغم من أن هذا القرار دفع إيران لتطوير برامج تسليح ذاتي، كان أبرزه ما وصلت إليه من قدرات صاروخية متطورة، إلا أن حظر توريد الأسلحة كبّل إيران وفرض عليها المواجهة ضمن شروط صعبة، لكن وعلى الرغم من أن عدم اعتماد القرار في مجلس الأمن سيشكل حدثاً داخل الجمهورية الإيرانية، إلا أنه يحمل معنىً أشمل من ذلك. فما جرى في المجلس وما رافقه يعطي صورةً عن حجم التغير الذي جرى في العالم خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً، هذا التغيّر الذي جعل من الدول التي قدمت القرار في مجلس الأمن منذ 13 عام، ترفض التصويت على تمديده إلى أجلٍ غير مسمى، ويعكس ذلك لا رفضهم للقرار فحسب بل استعدادهم لإعلان موقف صريح في وجه الولايات المتحدة، التي ظهرت بموقع مخجل على المستوى العالمي، فقد حُرمت حتى من مسرحية متواضعة يقبل البعض فيه القرار بينما يرفضه البعض الآخر لتظهر الضفة الأمريكية اليوم فارغةً موحشة.
القرار ليس يتيماً
تتجاهل بعض وسائل الإعلام، أن تمديد حظر الأسلحة الذي رغبت به الولايات المتحدة الامريكية يُعد مخالفة لقرار مجلس الأمن 2231 للعام 2015 والذي تبنى فيه المجلس ما توصلت إليه المباحثات في لوزان حول البرنامج النووي الإيراني، وهذا ما يقضي رفعاً للعقوبات عن إيران مقابل التزامها بسلمية برنامجها النووي. أي أن السلوك الأمريكي منذ إعلان الانسحاب من هذا الاتفاق كان يمثل تحدياً للشرعية الدولية، ويمثل تحدياً للمصالح الأوروبية التي رأت في الاتفاق النووي الإيراني ما يخدم مصالحها، فراهنت أمريكا منذ إعلان انسحابها من الاتفاق أن تتخلى أوروبا عن مصالحها كرمى لمصالح الولايات المتحدة! والمضحك أن أوروبا كانت تتحرك ببطء شديد يكاد يكون غير ملحوظ في بعض الأحيان للدفاع عن نفسها في وجه السلوك الأمريكي هذا، كما لو أنها خاضعة تماماً ولا قدرة لها أن تدافع عن مصالحها، أو عن الشرعية الدولية التي يفترض أن تضمن مصالح الجميع بشكل متوازن.
قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي في تغريدة على تويتر: إن الولايات المتحدة «لم تشهد عزلة كما هي عليه الآن منذ 75 عاماً من تاريخ الأمم المتحدة»، وهذا صحيح، لكن هذه العزلة لن تكون في الملف الإيراني فحسب، بل تتجه لتشمل قضايا أخرى لا تقل أهمية عنه، وستكون القضية الفلسطينية على رأس هذه القضايا، فقد بات من الصعب احتواء السلوك الأمريكي في الكثير من الملفات، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة صياغة القرارات الدولية التي تثبت رغبتها، ولا تستطيع بعد أن تدرك أن هذا أصبح واقعاً، وأنها بسلوكها هذا ستزيد من عزلتها. ولعل تصريحات وزير الخاريجية الأمريكية مايك بومبيو تعد مثالاً صارخاً على ذلك، فلم يجد «الدبلوماسي» الأمريكي شيئاً يهدد به من سيصوت ضد القرار الأمريكي إلا القول بأن بلاده لا تزال «شريكاً» في خطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحبت منها! وأنها ستفرض العقوبات مجدداً على إيران وبالقوة، إن لم يصوت مجلس الأمن لصالح القرار، إن شعر القارئ بأن التصريح الأمريكي يفتقد إلى المنطق فهذا صحيح، لأن الولايات المتحدة لن تستطيع العمل خارج الشرعية الدولية بهذا الشكل لذلك يصر الرئيس الروسي لدعوة الدول الخمس دائمة العضوية، بالإضافة إلى ألمانيا وإيران لعقد اجتماع يهدف في العمق لتثبيت جوهر الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة الولايات المتحدة إلى سكة الصحيحة، علّه ينجح بذلك ويجنب المجتمع الدولي الكثير من المتاعب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 979