السباق بين إشعال هونغ كونغ وإطفائها!
دخلت احتجاجات هونغ كونغ أسبوعها العاشر على التوالي، وبات الضوء مسلطاً عليها بكثافة خلال الأيام الأخيرة، بعد ارتفاع منسوب أحداث العنف، وبعد جملة من التصريحات والتدخلات الغربية، والردود الصينية عليها.
اشتعلت الاحتجاجات على خلفية مشروع قانون تقدمت به حاكمة هونغ كونغ، يسمح بتسليم مطلوبين للعدالة للحكومة المركزية في الصين، الأمر الذي اعتبره المتظاهرون مساساً باستقلالية القضاء في هونغ كونغ ذات الحكم الذاتي منذ عام 1997.
لمحة تاريخية
تقع مدينة هونغ كونغ على ساحل الصين الجنوبيّ، محصورةً بين بحر الصين الجنوبي ودلتا نهر اللؤلؤة، وتبلغ مساحتها 1100 كم مربع، ويقطنها حوالي سبعة ملايين نسمة، وهي جزء تاريخي من الإمبراطورية الصينية، جرى احتلالها للمرة الأولى من بريطانيا خلال حرب الأفيون الأولى عام 1841، حين رفضت الصين استيراد تبغ الأفيون منها.
استمر احتلال بريطانيا لهونغ كونغ 152 عاماً، تخللتها أربع سنوات (1941- 1945) من الاحتلال الياباني خلال الحرب العالمية الثانية.
عام 1997، جرى إنهاء الاحتلال البريطاني عبر اتفاق مع الحكومة الصينية تضمن استعادة هونغ كونغ على أن تتمتع بحكم ذاتي، وكان شعار الاتفاق (بلد واحد نظامان مختلفان).
بؤرة تَوَتُّر مستمرة
رغم إنهاء الاحتلال البريطاني، إلا أنّ هونغ كونغ استمرت في كونها إحدى نقاط المشاغلة الغربية للصين؛ فإلى جانب تربعها على أحد أهم الموانئ الصينية، وحرمانها للصين من عائدات ذلك الميناء، وفقاً للمعاهدة مع البريطانيين، فإنّها تحولت خلال التسعينات والألفية الجديدة إلى مركز حيوي للعمليات الغربية المالية في الشرق الأقصى، وأكثر من ذلك، إلى مركز لنشاط جمعيات المجتمع المدني المدعومة غربياً، وبشكل خاص من مؤسسة NED الأمريكية (الداعمة للديمقراطية)، والتي ينص نظامها الداخلي على (أهمية التدخل السريع في ظروف تغيير الأنظمة)، إلى جانب كونها تعمل في 90 بلداً حول العالم، وتموّل ضمنها ما يصل إلى 1600 (منظمة غير حكومية).
علامات فارقة
بدأت التعليقات الغربية ترتفع مع استمرار الاحتجاجات التي لم تتوقف بعد تعليق حكومة المدينة طرح التعديل القانوني الذي اقترحته، والذي ظهر في البداية بوصفه شرارة الأحداث، حيث استمر المحتجون ورفعوا مطالبهم إلى إقالة حاكمة المدينة والمطالبة بمحاسبة مرتكبي العنف ضد المتظاهرين.
وتعززت التصريحات الغربية مع ظهور وازدياد أعمال العنف، والتي اعترف قسم من المحتجّين، ومن على شاشات التلفزة، بإسهامهم المباشر فيها تحت ذريعة أنّ (حمل بعض الأسلحة الخفيفة كان ضرورياً لحماية أنفسنا من عنف الشرطة)، الجملة التي يبدو للمرء أنه سمعها سابقاً، ولكن ربما لا يتذكر أين ومتى!
مع انطلاق الأسبوع الثامن من الاحتجاجات، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي إليوت إنغل: «إنّ استخدام شرطة هونغ كونغ للعنف في التعامل مع المظاهرات المحلية قد شوه سمعة هونغ كونغ الدولية في الإدارة والعدالة». وفي مؤتمر صحفي في اليوم التالي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ «إنّ الحكومة المركزية تدعم شرطة هونغ كونغ بقوة في محاسبة مرتكبي أعمال العنف غير القانونية».
خلال الأسبوع الماضي، ارتفع مستوى التصريحات الغربية؛ حيث اشترك كلُّ من وزير الخارجية البريطاني الذي «حذر من المس بالحريات المنصوص عليها في اتفاقية إعادة هونغ كونغ إلى الوطن الأم»، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الذي حذر من «تكرار تيان مين 1989»، لتتبع ذلك تغريدة من ترامب يوم 13 من الجاري قال فيها: «أعلمتنا مخابراتنا بأنّ الحكومة الصينية تحرك قوات باتجاه الحدود مع هونغ كونغ. الجميع ينبغي أن يكون هادئاً وسالماً!».
مما يلفت الانتباه أيضاً ضمن الاحتجاجات، رفع أقسام من المحتجين للعلم الخاص بهونغ كونغ حين كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني، والذي يتضمن في زاويته العليا– كما تتضمن أعلام دول متعددة ضمن الكومون ويلث- العلم البريطاني. بل إنّ أحد الفيديوهات التي انتشرت بكثرة، أظهرت شباناً من المحتجين يرفعون الأعلام الأمريكية وينشدون النشيد الوطني الأمريكي!
الرد الصيني
من بين الردود الصينية المختلفة على التدخلات الغربية، كان لافتاً تصريح السفير الصيني في بريطانيا ليو شيو مينغ ، والذي استنكر في مؤتمر صحفي عقده، يوم الخميس الماضي، تصريحات بعض الساسة البريطانيين الذين اعتبروا المستعمرة السابقة، التي أعيدت إلى الصين العام 1997 «جزءاً من الإمبراطورية البريطانية». وقال مينغ: إن الصين لن «تقف مكتوفة الأيدي ولديها الإمكانات لإعادة الهدوء بسرعة، إذا خرجت الأزمة في هونغ كونغ عن السيطرة».
وأضاف: «إذا تدهور الوضع وتحول إلى اضطرابات لا تقدر حكومة المنطقة الإدارية الخاصة السيطرة عليها، فإن الحكومة المركزية لن تقف مكتوفة الأيدي. لدينا حلول كافية وقدرة كافية لقمع الاضطرابات بسرعة».
ما وراء الحدث!
لم يعد مستغرباً، ولا جديداً، العمل الغربي على إشعال أكبر قدر ممكن من الاضطرابات في محيط الصين وروسيا، من ذلك إعادة صبّ الزيت على نار كشمير الجاري حالياً. ولكن حجم الأزمة الغربية، وضيق الوقت والحال، (وبشكل خاص مع التوقعات الأمريكية بأزمة كساد عظيم قادمة خلال الفترة القريبة القادمة، كما نقلت واشنطن بوست عن مجموعة من المحللين الاقتصاديين على مدى الأسبوعين الماضيين)، حجم الأزمة ومواقيتها، باتت تتطلب ضربات في قلب الصين وروسيا، ولذا علينا أن نتوقع إشكالات إضافية ليس في هونغ كونغ وحدها، بل وفي مكاو (ذات الوضع الخاص أيضاً) وفي التيبت. كذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي من المتوقع أيضاً أن تشهد محاولات لإحداث اضطرابات في مواقع مختلفة منها، ربما تبدأ من منطقة القفقاس هذه المرة، لأنّ محاولات إشعالها من القسم الأوروبي من روسيا، قد باءت بفشل ذريع...
هل ستشتعل نيران جديدة؟
تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على مدى حكمة الصينيين والروس في التعامل مع الحرائق المتوقعة، والتي لا تتعلق فقط بإيجاد سبل مناسبة للتعاطي مع المطالب المختلفة، بل وتتطلب تعاملاً عالي الكفاءة على المستويات المختلفة، الشعبية والإعلامية والقانونية
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 927