لماذا يدعم ترامب «بريكست قاسي»؟
يؤيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «بريكست قاسي»، أي: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل كامل والاستقلال عنه، وكان ترامب قد حذّر من أن اتفاق «البريكست الناعم» الذي تم التوصل إليه بين رئيسة الوزراء تيريزا ماي، والاتحاد الأوروبي في بروكسل، قد يحول دون التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة للتأثير سلباً على تصويت البرلمان البريطاني على الاتفاق.
إن ما يحاول ترامب القيام به بوضوح هو تشكيل الوضع السياسي لدى أحد حلفاء بلاده، أو بعبارة أخرى التدخل في شؤونه، وهو من خلال تصريحاته هذه لا يسعى فقط إلى أهداف تجارية، بل لديه أسباب أخرى. فلماذا تؤيد الولايات المتحدة الأمريكية الخروج البريطاني التام من الاتحاد الأوروبي؟
إغراق الجميع في الأزمات
في ظل الانقسام والخلافات المتصاعدة بين حلفاء الأمس، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، فإن «بريكست قاسي» من شأنه قطع خيوط أية محاولة للتراجع عن الخروج البريطاني، وبالتالي يصبح الاتحاد الأوروبي أضعف، من وجهة نظر أمريكية. بحيث تصبح إمكانية إصلاح الاتحاد الأوروبي- المثقل بالمشاكل– مهمة أصعب مع خروج بريطانيا منه، وهو ما يفتح الباب أمام خروج دول أعضاء أخرى، وبالتالي: مزيد من التراجع في وزن الاتحاد الأوروبي، كما أن الدعم الأمريكي لـ«بريكست قاسٍ» في ظل الانقسام البريطاني الداخلي حول شكل الخروج من الاتحاد الأوروبي، سيعمق من أزمتها الداخلية، وهذا بمجمله ما تريده الولايات المتحدة، في إطار سياستها القائمة على إغراق الجميع في الأزمات قبل أن تغرق وحيدة بفعل أزمتها المستعصية.
إعاقة التعاون الصيني- الأوروبي
من جهة أخرى، فإن الخروج البريطاني، وإضعاف الاتحاد الأوروبي، سيعيق عمليات التغير الجارية في العلاقات الدولية، من خلال التعاون الأوروبي مع محور الشرق الصاعد، بما فيه روسيا والصين وإيران... وللولايات المتحدة مصلحة إستراتيجية في منع التوصل إلى اتفاق تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي والصين في المستقبل، وإعاقة مشروع «طريق الحرير» الجديد، وكبح تبلور نظام عالمي متعدد الأقطاب. وكما ترى واشنطن، فإن قطع المملكة المتحدة بالكامل مع الاتحاد الأوروبي من خلال «بريكست صعب»، سيؤدي إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي وإعاقة التغير العالمي جزئياً، فهل تتحقق الآمال الأمريكية حقاً؟
إن ما يبدو في بريطانيا اليوم، أنها على وشك دخول أزمة فعلاً، نتيجة للانقسام الداخلي الحاصل، واحتمالات سقوط حكومة «ماي» أصبحت مرتفعة، ولكن ذلك سيفتح الباب أمام تغييرات قد تجلب قوى تغيير جذري إلى الواجهة، وهو ما أصبح مرجحاً للحدوث في دول أوروبية عدة، نتيجة للأزمات المستعصية، وهو ما يعني أن تفكك الاتحاد الأوروبي، أو اشتداد الأزمات فيه، قد ينقلب لغير صالح الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قد يؤدي في نهاية المطاف إلى ضغطٍ شعبي نحو تغيير كليٍّ للسياسات في عكس صالح واشنطن، أي: نحو مزيد من التعاون الأوروبي الصيني.