لماذا تخرج أمريكا من إفريقيا؟
أمريكا ستخفض قواتها العسكرية في إفريقيا بنسبة 10% خلال الأعوام المقبلة، هذا ما أعلنه البنتاغون الشهر الماضي، فماهي دلالات هذا الانسحاب؟ وكيف يمكن قراءته ضمن سياق التغيرات الدولية الجارية؟
ترافق هذا الإعلان مع توضيح مفاده: أنّ ذلك يأتي لدعم تركيز وزارة الدفاع «البنتاغون» المتزايد على التصدي لتهديدات الصين وروسيا، وهو ما يتوافق مع مضمون إستراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة، التي وضعت التصدي لهاتين القوتين كمحور إستراتيجي لها.
متطلبات المرحلة
بعبارة أخرى، يعني هذا: أنّ واشنطن تسعى لتركيز الجزء الأكبر من الإمكانات الأمريكية العسكرية والاستخباراتية على تخوم أعدائها الإستراتيجيين، أي: إعادة تموضع القوى العسكرية الأمريكية بما يخدم صراعها مع أعدائها المباشرين، وذلك بغية تخفيف التكلفة الاقتصادية لهذا الاشتباك المستجد على اتساع الجغرافية العالمية.
ورغم أن القائد الأعلى للقوات الأمريكية في إفريقيا، توماس والدهاوسر، كان قد حثّ أعضاء الكونغرس في آذار هذا العام على ضرورة التزام بلاده بالقارة، حيث لديها هناك حوالي 7200 جندي وموظف، إلّا أن الحكومة يبدو أنها تتحرك باتجاه مختلف، وفقاً لمصلحة الولايات المتحدة الحالية، وبغضّ النظر عن كل مبررات تواجدها العسكري التي تُسوّق لها عادةً، مثل: تمكين الحكومات أو تحقيق الأمن أو غيرها... أي: أن خفض القوات العسكرية الأمريكية في إفريقيا، والتي تتواجد فيها بحجة مكافحة الإرهاب المتمدد فيها يدعو إلى ترسيخ الشك الذي يُكذّب الولايات المتحدة في كل حربها على الإرهاب المفترض.
ضغوط مالية وعسكرية
كشف تقرير أصدرته لجنة إستراتيجية الدفاع الوطني الأمريكي مؤخراً، عن مشاكل خطيرة - حسب التقرير- يعاني منها الجيش الأمريكي، قد تؤدي به إلى خسارة حرب محتملة مع روسيا والصين، سببها الأساس عدم وجود موارد وإمكانات كافية لمواجهة هذه التحديات. فيما صرح دونالد ترامب مراراً بأن على الدول أن تدفع لكي تقوم الولايات المتحدة بحمايتها، وهو ما حصل فعلاً عبر الصفقات السلاح المليارية السعودية لشراء الأسلحة الأمريكية، بالإضافة إلى الضغط على الدول الأعضاء في الناتو لرفع مساهماتها المالية.
وهذا ما يعطي تفسيراً إضافياً للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في إفريقيا، حيث أنّ تراجع الإمكانات الأمريكية الاقتصادية يدفعها إلى التخلي عن تلك التكاليف العالية لتواجد قواتها هنا وهناك، في إطار تخفيض كلفة الاشتباك نحو الحد الأدنى.