قيامة أثينا ترهب بروكسل
عليا نجم عليا نجم

قيامة أثينا ترهب بروكسل

أدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها اليونان طيلة أربعة عقود ماضية إلى أزمتها المالية التي وصلت ذروتها في عام 2010، حيث بدأت منذ ذلك الحين بما أطلقت عليه «سياسة التقشف»، وقام صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بإعطائها قروضاً مجزأً على دفعات، تمت تسميتها بـ«حزمات الإنقاذ»، لتُفضي في نهاية المطاف إلى تراكم ديون جديدة على الشعب اليوناني، وتنتزع منه سيادته واستقلاله بشكل أكبر بهذا الحد أو ذاك، وتخلق مشاكل جديدة تضع اليونان على مفترق طرق، بين نجاتها واشتعال أزمة جديدة تفتح الأفق نحو مآلات غير واضحة.

صندوق النهب الأوروبي والدولي
بدأت الشرارة الأولى في عام 2004، عندما تم الإعلان عن أن اليونان لم تكن مؤهلة منذ البداية بأن تكون ضمن المصرف النقدي الأوروبي الموحد، بعد توريطها لمدة 4 سنوات بما قيل بأنها قامت بتزوير بيانات اقتصادها، وثم في 2009 صرحت الحكومة اليونانية بأن الحكومة السابقة كانت فاسدة وهي من قامت بالتزوير، لتكون بعد كل هذا التوريط، وبعد سياسات التقشف و«حزمات الانقاذ» في عام 2015 مدينة لصندوق النقد الدولي بـ5% من ناتجها المحلي، و70% للصندوق الأوروبي، ما يعني أن الجزء الأكبر من ديونها يعود لصالح الاتحاد الأوروبي.

لا حل اقتصادياً... بل سياسياً جذرياً
بهذا القدر من الديون التي وُرّطت فيها اليونان، تكون دولةً وشعباً مُستعبدة اقتصادياً وسياسياً، كدولة طرفية لصالح دول المركز في أوروبا نفسها، لمدة زمنية غير محدودة لا حل لها إلا بتغييرات سياسية حازمة وجذرية على المستويات كافة، الأمر الذي يعبّر عنه الشارع اليوناني على الدوام بمظاهراته وإضراباته، فحتى فيما أُعلن مؤخراً عن اتفاق حول تسمية «جمهورية مقدونيا الشمالية» لتصبح مستقلة تماماً عن اليونان بعد خلافٍ دام عقوداً، أعربت شعوب البلدين عن رفضها لهذا الأمر المنافي لمصالحها، والذي يضع اليونان في موقع أكثر ضعفاً في أوروبا وأكثر عُرضة للاستغلال.

التوازنات الجديدة تؤمن فرصة أفضل
إن تراجع دول المركز الرأسمالي وخلافاتها وهزائمها التي تفضي إلى شلل أدوات ضغطها السابقة، وصعود دول أخرى بنهج وسياسات مختلفة كلياً عن منطق الإمبريالية واستغلالها، وما تفرضه مصالحها من خفض للتوترات، بدأت اليونان التِماس مخرج لها، فمؤخراً- وردّاً على ضغوط الأوروبيين- هددت اليونان بفتح حدودها للاجئين كخط عبور، وبالتوازي مع ذلك، ورغم الخلاف الروسي- اليوناني الذي حصل سابقاً حول طرد اثنين من دبلوماسيي روسيا في أثناء فقاعة قضية «سكريبال» التي تبخرت فراغاً وانتست، بدأت العلاقات بين البلدين تأخذ منحى مغايراً وإيجابياً يعبّر عنه وزراء خارجيتهما بتصريحاتهم، إضافة إلى تصريح الرئيس الروسي بوتين حول استعداد روسيا لتقديم المساعدة على إثر الحريق الذي حصل شرق أثينا، ما يعطي مؤشرات بأن مصير اليونان أيضاً محكوم بالتوجه شرقاً في نهاية المطاف.