«ناتو عربي»: الهلوسة تأخذ بُعداً آخر
ماهر شرف ماهر شرف

«ناتو عربي»: الهلوسة تأخذ بُعداً آخر

مُضحكة بعض التصريحات والمواقف التي يتخذها حلفاء واشنطن مؤخراً عند كل شرارة إعلامية يطلقها ترامب، كقوله عن مساعيه لتشكيل «ناتو عربي» بهدف مواجهة إيران، مُتناسين أزمة واشنطن، وتراجعها دولياً.


إذا كانت الولايات المتحدة تنكفئ اقتصادياً، ولا تستطيع تغطية نفقاتها العسكرية، ونظامها المالي في طور الإنهيار، وموقعها السياسي ضمن مختلف الملفات الدولية يتجه نحو الانسحاب والعزلة، وإذا كان الأمريكيون مُنقسمين إلى تيارين، وانقسامهم هذا ينعكس على مجمل تحالفاتهم وحلفائهم أوروبياً وعربياً، ليزداد الانقسام انقساماً وتخبطاً، وإذا كان الناتو ذاته في طريق التفكك، ومجمل العلاقات الدولية تأخذ شكلاً آخر تماماً عن سابقه الذي تسيّدته أمريكا، فعن أيّ «ناتو عربي» يجري الحديث؟

حالة ثبات... وانكسارات
إن الناتو الغربي الذي كان له تاريخ ووزن، ودول أعضائه كانت يوماً من كبرى القوى على مختلف الصعد، وبات قادته يتناحرون ويبتزون بعضهم بعضاً عبر حلفهم الأطلسي، وتسعى كل دولة منهم للفكاك بأقل الخسائر الممكنة وأولهم: الولايات المتحدة، فمن أين للأخيرة أن تُبادر بتشكيل ما سُمي «ناتو عربي»؟ أضف إلى ذلك أن مشروع «التحالف العربي» فشل قبل حدوثه ولم يتعد كونه عملية عسكرية في زمان ومكان واحد وسرعان ما اختفى، لتصبح هذه الفكرة خيالاً الغرض منها تحريضٌ إعلامي.

بين الغرب والشرق
في المقابل، دعت وتدعو تلك الدول الصاعدة- وعلى رأسها روسيا والصين- إلى التهدئة، وإيجاد نقاط التوافق وتيسير عمليات الحلول السياسية، بما يؤمن مصلحة الجميع في منطقة الشرق والأوسط والخليج، وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لذلك، وهنا يكمن أحد أهم مخاوف واشنطن التي تسعى إلى تأخيرها فقط، فأن تهدأ المنطقة وتدخل في أطر التقارب السياسي يعني: أن تخسر الجانب الخليجي اقتصادياً وسياسياً لمصلحة القوى الصاعدة.
وبالحديث عن توازنٍ دولي جديد بفضاءاته السياسية المختلفة عن سابقاتها، تكون استمرارية وجود وبقاء أنظمة هذه الدول بعلاقاتها ونهجها- وما تمثله من مصالح مختلفة ومتضاربة فيما بينها من جانب، وبينها وبين شعوبها من جانب آخر، على حالها- أمراً مطروحاً للنقاش، فلا وجود لأية حوامل تدعم استمرارهم، قبل طرح تشكيل أي تحالف جديد أصلاً.

في المقابل... أفق التعاون مفتوح
على أية حال، طرح فكرة تحالفات مشتركة لمجموعة دول فيما بينها بغاية تقوية اقتصادها والتنمية وصنع قرارات سياسية مشتركة تأخذ وزناً مضاعفاً، هو ما سوف يكون في السنين القادمة، ولكن ليس على الهيئة الأمريكية، وليس قبيل حدوث وإنجاز التغييرات التي بدأت تأخذ ملامحها مع كل خطوة تفضي إلى تراجع الغرب وواشنطن أكثر من السابق.