إيران... ليس مجرد حدث داخلي!
ترافقت الأحداث الأخيرة في إيران، مع تصاعد الحرب الاقتصادية الأمريكية على هذه الدولة، وهو ما يؤكد أن الحدث الإيراني ليس مجرد حدث داخلي. وآخر ما سجل في سياق الضغوطات الاقتصادية الأمريكية: إن واشنطن أبلغت خلال الأسبوع الجاري دولاً عديدة بوقف جميع وارداتها من النفط الإيراني، اعتباراً من تشرين الثاني المقبل.
يهدف ذلك إلى قطع الطريق أمام إمدادات الخام الإيراني إلى أسواق النفط العالمية، وذلك عن طريق تطبيق عقوبات على طهران في تشرين الثاني المقبل، في خطوة تهدف لتقليص التمويل المتجه إلى إيران، وحسب وكالات الأنباء، أبدى الكثيرون من كبار مستهلكي النفط الإيراني، ومن بينهم اليابان والهند وكوريا الجنوبية، بالفعل نيتهم التوقف عن استيراد الخام الإيراني ما لم تمنحهم واشنطن استثناء من العقوبات.
وبغض النظر ما إذا كانت هذه الدول ستنصاع في آخر المطاف للفرمان الأمريكي أم لا، وما إذا كانت هنالك أسواق بديلة للنفط الإيراني، «السوق الصينية مثلاً»، إلّا أنّ المحاولة الأمريكية بحد ذاتها، تكشف حجم التدخل السافر للاستثمار في الشأن الإيراني الداخلي، مستخدمة ما تبقى لديها من أوراق، وذلك بالتوازي مع تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأخيرة في السياق نفسه، وسعي الطرفين إلى توظيف الاحتجاجات، ضد الدور الإقليمي لإيران، وعرقلة التكتلات الدولية الناشئة خارج الإرادة الأمريكية، بذريعة «حقوق الشعب الإيراني».
أبدت واشنطن في الفترة الأخيرة، شيئاً من التراخي والتراجع تجاه العديد من الملفات الدولية، مثل: الملف الكوري الشمالي، وعقد تسوية حول «الحمائية» مع الصين، والتراجع عن محاولة منع تنفيذ مشروع «السيل الشمالي»، وصفقة طائرات ف 35 مع تركيا، وملف العلاقات مع روسيا، إلا أنها تبدو متشددة حتى الآن في الملف الإيراني، وجعلت الموقف تجاه هذا البلد مجال ابتزاز وتخادم مع العديد من الدول، وذلك ضمن سياسة تركيز القوى على بقعة بعينها، بعد أن باتت عاجزة عن خوض مواجهات جدية مباشرة على أكثر من جبهة.
وإذا كانت بداية تصعيد التشدد الأمريكي تجاه إيران_ الانسحاب من الاتفاق النووي_ قد أدى إلى تعميق الخلافات بينها وبين حلفائها التاريخيين من دول الاتحاد الأوربي بشكل متسارع، وصولاً إلى عدم القدرة على صياغة بيان ختامي لقمة الـ جي 7، فإن التشدد الحالي ومحاولة منع بعض الدول استيراد النفط الإيراني، لن يكون مصيره أفضل، فالتجربة الملموسة علّمت خلال السنة الأخيرة حتى حلفاء واشنطن التقليديين، بأن «أمريكا أولاً»، تعني في الترجمة العملية: ضرب مصالح كل الدول الأخرى عرض الحائط، وجاءت أولى الإشارات من تركيا على لسان وزير خارجيتها، الذي أعلن استمرار استيراد بلاده للنفط الإيراني، وأن بلاده عازمة على توسيع التبادل التجاري مع إيران.
وعلى كل حال، ودون نفي ضرورة مراجعة السياسات الداخلية الإيرانية بشكلٍ جادٍ، وبالدرجة الأساسية في الجانب المالي والاقتصادي _ الاجتماعي، كما تصرح قيادات رسمية إيرانية نفسها. فأن زعزعة الاستقرار في إيران كما تسعى واشنطن، لن يكتب لها النجاح، وبالمقابل فإن التجربة الإيرانية، تؤكد لكل الدول الطرفية بأن الرد على أدوات التأثير الأمريكية يتطلب دائماً رداً ثورياً على مستوى الحدث، ولعل أولها: الانفكاك التام عن المنظومة المالية العالمية «المدولرة»، وتنمية الإنتاج الوطني، ومعالجة قضاياها الداخلية كلّها، بما يخدم تعزيز استقلالها الوطني، ويخفف من تأثير أدوات واشنطن وأتباعها، على أساس وحدة المهام الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، لاسيما، وأن التوازن الدولي الجديد وصعود الدور الروسي والصيني، يوفر المناخ المناسب للسير في هذا الاتجاه.