الصين والهند: التعددية القطبية قيد الإنجاز

الصين والهند: التعددية القطبية قيد الإنجاز

في أواخر شهر نيسان الماضي قام رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، بزيارة تم اعتبارها غير رسمية إلى الصين للقاء رئيسها، شي جين بينغ، بجدول أعمال شبه مفتوح حيث استغرقت الزيارة 3 أيام تمت فيها 6 جلسات من النقاش المباشر بين الرئيسين.

 

إن هذه الزيارة جاءت بعد توتر سياسي وعسكري طفى على سطح العلاقات بين الجارين الآسيويين الكبيرين في العام الماضي، دون المساس جدياً بالعلاقات الاقتصادية بينهما، ليس لأنهما لا يريدان المساس بهذه العلاقات تحديداً، بل لأن حجم كلٍ منهما وتموضعهما الجغرافي فرض عدم إمكانية التعرض للعلاقات الاقتصادية سلباً، ولكن إلى أي مدى يمكن أن يمتد هذا التوتر السياسي بين الجانبين؟ وما هي أوجه الخلاف والتشابه بينهما، والتي يمكن أن تمضي بالعلاقة سلباً أو إيجاباً؟
نقاط خلاف
توجد في واقع الأمر الكثير من نقاط الاختلاف التي يمكن أن تكبّل العلاقات الهندية- الصينية من المضي قدماً نحو الأمام، ولكن أغلبها خلافات روتينية، ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك، ولكن ما يمكن اعتباره خلافات جدية يتمثل بالتالي:
أولاً: الحجم الاقتصادي الكبير لكلا البلدين الواقعين على مقربة من بعضهما جغرافياً، إذ أن هذا الأمر لابد أن يدفع بهاتين القوتين إلى الاصطدام في القضايا التجارية على الأقل، إن لم نقل في جوانب توفير الموارد القريبة والرخيصة والنقل والملاحة، بمعنى آخر الحجم الكبير لكليهما يجعل الجغرافية مدعى للمواجهة وإن كانت غير مباشرة.
ثانياً: إن النزاعات الحدودية القديمة المتجددة بين البلدين تستعر بين الفترة والأخرى على حدودهما المشتركة الممتدة على ما يزيد عن 3000 كم، والتي لها اعتبارات أمنية قديمة ومزمنة. وهو الأمر الذي يتيح للولايات المتحدة الأمريكية إمكانية اللعب على وتر هذا الخلاف، وممارسة تأثيرها، تحديداً على الهند، بهدف خلق بؤرة توتر على تخوم الصين واختراق منظومة البريكس.
ثالثاً: إن المشروع الصيني المدعو «حزام واحد، طريق واحد»، الذي يهدف إلى ربطها بمناطق بعيدة برياً كآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا عموماً، يتيح إمكانية تهميش الهند نسبياً لاعتبارات جغرافية تتمثل بتموضع الهند الذي يمكن الصين من تجنب المرور بها، بينما يعطي المشروع لباكستان التي هي أحد أهم «أنداد» الهند، إن جاز التعبير.
نقاط التوافق
إن نقاط التوافق بين الهند والصين هي في واقع الأمر أكثر تجذراً من نقاط الاختلاف، نظراً لتاريخ العلاقة بين الطرفين، والتي لا يمكن إلا أن تكون محكومة بالتعايش، ولكنها كانت تسوء طبيعياً عندما تتمدد أذرع التدخلات الخارجية، ولا سيما في القرن العشرين، وهنا نذكر أهم نقاط التوافق بين الطرفين:
أولاً: إن كّلاً من الصين والهند تعتبران من البلدان النامية، ومازال أفق التطور والنمو أمامهما مفتوحاً وواسعاً، وبالتالي كلاهما بحاجة إلى عدة عوامل للحفاظ على وتائر النمو والتطور، لذلك إن كانا بوارد الحفاظ على وتائر النمو هذه وتحسينها عليهما بكسر معادلة التبادل اللامتكافئ مع القوى الغربية واليابان.
كما أن كون كل من الهند والصين في مصاف الدول النامية، فإن هذا يدفع البلدين إلى ضرورة تأريض ما أمكن من تلك الحروب التجارية التي تعلنها الأطراف الدولية المتراجعة أمام القوى الصاعدة، ليصبح التقوقع هو الخيار الوحيد في نهاية المطاف في مواجهة القوى النامية كالهند والصين. هذا بالإضافة إلى الحاجة نحو مزيد من الهدوء السياسي والعسكري إقليمياً ودولياً، وفض النزاعات المنتشرة هنا وهناك، والتي عادةً تشعلها تلك القوى التي تريد تكبيل الدول التي تسعى لمكانتها الطبيعية.
ثانياً: إن الاعتبارات الجغرافية التي اعتبرناها في أحد جوانبها عاملاً معيقاً لتحسين العلاقات، هي في الوقت نفسه عامل دافع لتحسينها، إذ إن هذا الأمر يدفعهما بالضرورة إلى التنسيق في المسائل التجارية والعسكرية والأمنية، وبخلاف ذلك عليهما دفع الفاتورة غير المبررة للصراع المحتمل بينهما والتي لن تكون أبداً زهيدة.
ثالثاً: إن التداخل الجغرافي التاريخي، والإرث المشترك بين الجانبين الممتد منذ قرون عديدة، سمح بحالات هجرة كانت نتيجتها الكثير من الصينيين في الهند والكثير من الهنود في الصين، ويصل عددهم إلى عشرات الملايين، الأمر الذي يحتم على الجانبين ضبط العلاقات والسعي نحو استمراريتها بما يخدم هذه الجالية من السكان ولو جزئياً.
في سياق المقارنة
لا يحتاج الواحد منا لأن يكون سياسياً أو استراتيجياً ليتوصل إلى استنتاج: أن نقاط التوافق بين البلدين أكثر جذرية وعمقاً من تلك الخلافية، وذلك انطلاقاً من كون النقاط الخلافية هي قضايا تقنية تكتيكية، يمكن التفاوض عليها، كما أنها مدعومة بانخفاض دور وفعالية الولايات المتحدة، التي كانت ولا زالت المستفيد الأول من حالات الخصام بين القوى الدولية الكبرى، بالإضافة إلى بروز الدور الروسي الذي يدفع بالعلاقات بين البلدين إلى مزيدٍ من الهدوء والاستيعاب المتبادل نظراً للمصالح المشتركة بالتكامل والنمو، وفي تشكيل جبهة موحدة لمواجهة مشروع الفوضى الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب، وفي هذا السياق قال، جيانغ جينغ كوي، مدير «مركز بحوث جنوب آسيا» بجامعة بكين في لقاء صحفي مع مراسل صحيفة «الشعب اليومية» إن: «الصين والهند لديهما نفوذ واسع في جميع أنحاء العالم باعتبارهما أكبر دولتين ناميتين في العالم، وأكثر دولتين ذات كثافة سكانية في العالم، وثاني أكبر اقتصاد وسادس أكبر اقتصاد في العالم. يعتقد الجانبان أنه بات ضرورياً أن يصبحا شركاء عالميين، والقيام بالتشاور كل منهما مع الآخر بشأن التعامل مع القضايا الإقليمية والعالمية».