انتخابات العراق: البحث عن حوامل التغيير
يقترب موعد الانتخابات التشريعية العراقية، الذي أقرت المحكمة الاتحادية العليا بأن يكون في 15 أيار القادم، وصادق مجلس النواب عليه، بعد سلسلة من الخلافات والجدل...
تحمل الانتخابات هذا العام أهمية خاصة، ليس لكونها ستحدد تركيبة مجلس النواب العراقي القادم وحسب، بل لأنها ترافقت أيضاً مع تغير في منطق التحالفات وتكوين القوائم، في ظل تحديات داخلية كبرى، ومتغيرات خارجية تتمثل بالتبدل الجاري في الموازين الدولية، والأهم فيما يخص السلوك الأمريكي.
ما الجديد؟
بدايةً، من الجدير بالذكر أن هذه الانتخابات هي ثاني عملية انتخابية تجري منذ إعلان انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق عام 2011، وفي مرحلة أصبح التراجع والانسحاب الأمريكي من المنطقة أمراً واضحاً لا لبس فيه. وما يميزها عن سابقتها، أي: انتخابات عام 2014، هو: أن الأخيرة جرت في ظل تمدد تنظيم «داعش»، أمّا انتخابات هذا العام فستجري بعد إعلان انتهاء الحرب ضد التنظيم في البلاد. أي: أن هذه المعطيات من المفترض أن تنقل مستوى الصراع بين القوى السياسية المختلفة، في سياق الانتخابات، إلى مستوى أعلى وأكثر تقدماً، على الصعيد السياسي والاقتصادي والوطني. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً احتجاجات عام 2015، في محافظات عراقية عدة، والتي طالبت بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، وتحسين مستوى الخدمات الحكومية، بالإضافة إلى احتجاجات السليمانية نهاية العام الماضي، وغيرها، فيمكن القول: إن ظروف التغيير الجذري قد أصبحت مستحقة، على صعيد الظرف التاريخي والوعي الشعبي، مما يطرح التساؤل عن وجود حوامل سياسية قادرة على النهوض بضرورات التغيير هذا ضمن الخارطة السياسية العراقية الحالية.
من يحكم العراق اليوم؟
يشكل ما يسمى «ائتلاف دولة القانون» الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب الحالي، بواقع 95 مقعداً من أصل 328 مقعداً موزعين على 15 حزباً وكياناً سياسياً. ولا تزال القوى المتحكمة بالسياسية العراقية على المستوى الرسمي منذ تشكيل ما سمي «مجلس الحكم في العراق» وحتى الآن، هي: القوى التي ارتبط صعودها بقدوم الاحتلال الأمريكي، والمتشكلة على أسس طائفية.
اليوم، وحيث لم يعد لنموذج بريمر الذي كرسه الاحتلال العسكري الأمريكي القدرة على الاستمرار كنموذجٍ لحكم العراق، بجميع مفاعيله السياسية والاقتصادية، يعني: أن العراق قد وصل إلى منعطفٍ، يستدعي ظهور بديلٍ سياسي، يكون حاملاً للإرادة الشعبية العراقية، وواضعاً الضرورات الوطنية على سلم أولوياته، ويمكن القول هنا: إن ورقة عبّاد الشمس التي من شأنها أن تدّل على القوى الجديرة بحكم العراق اليوم، هي القوى ذات البرامج القائمة بشكل أساس على محورين أسياسيين، وهما: الموقف من تواجد القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، والقطع مع منظومة الاحتلال السابق بجميع مفرزاته، كذلك الموقف السياسي الاقتصادي الاجتماعي، ودرجة انحيازه للشعب في مواجهة قوى الفساد.
المشهد الانتخابي
يتنافس على الانتخابات القادمة 27 تحالفاً انتخابياً تتكون من 143 حزباً سياسياً، ورغم أن الثابت في المشهد الانتخابي عامةً لا يزال هو التكتل على أسس طائفية وقومية، إلّا أنه ثمة منحى واضحاً نحو تغير في التحالفات لتكون على أسس وطنية، وهو منطق يفرضه في نهاية المطاف الوعي الشعبي الرافض للطائفية بالعمق، بما يؤكد أن البنية الطائفية في البلاد هي بنية مصنّعة، بالأموال، والدماء، والقذارة الإعلامية.
ولعل أبرز مثال على ذلك المنحى المتصاعد، هو: تحالف «سائرون» الذي يضم حزب «الاستقامة» برئاسة مقتدى الصدر، والحزب «الشيوعي» العراقي، وعدداً من القوى السياسية الأخرى، وهو تحالف وصفه سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، رائد فهمي، بأنه «ضرورة ملحة للتعبير عن مصالح الشعب والدفاع عنها، لأنه تحالف للقواعد الجماهيرية، وليس تحالفاً فوقياً بين قادة هذه الأحزاب»، وأكد: أن هنالك برنامجاً انتخابياً يتم العمل عليه، يتضمن معالجة للوضع الاقتصادي والخدمي لكافة أبناء الشعب العراقي، واعتبر الطرفان: أن «سائرون» هو خطوة نحو الخلاص من عهد المحاصصة الطائفية والأثنية، نحو عهد المواطنة والعدالة الاجتماعية.
من جهة أخرى كان ملفتاً، انقسام حزب «الدعوة»، أحد المكونات الأساسية في «ائتلاف دولة القانون» ذي الأغلبية في البرلمان الحالي، ليدخل الانتخابات بتحالفين منفصلين، تحالف يرأسه حيدر العبادي تحت مسمى «ائتلاف النصر»، وآخر يترأسه نوري المالكي والمسمى بـ«دولة القانون». ونشوء تحالف جديد باسم «الفتح» يضم فصائل من الحشد الشعبي.
وتبقى البرامج الانتخابية بشكل أساس، هي المحدد الذي يجب الركون إليه في العملية الانتخابية، ولكن حسب وسائل إعلام عراقية، فإن الحملة الانتخابية الجارية حالياً، تركز بشكل كبير على الشخصيات بدلاً من البرامج، وهو ما يعتبر مؤشراً سلبياً في العملية الانتخابية عموماً.
الانتخابات في ظل تغير الموازين
لا يمكن فصل الانتخابات التشريعية العراقية عن المتغيرات الجارية على صعيد تغير الموازين الدولية، وخاصة التراجع والانسحاب الأمريكي، والذي كان أثره المباشر والأخير بما يخص الشأن العراقي واضحاً في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق، الذي جرى في 12 شباط الماضي، حيث لم تكلف الولايات المتحدة نفسها سوى بثلاثة مليارات دولار، من أصل 88 مليار دولار التكلفة المقدرة، وعلى شكل قروض سيقدمها مصرف التجارة الخارجية الأمريكي، أي: أن واشنطن، المسؤول الأول والمباشر عمّا وصل إليه العراق اليوم، تتنصل من التزاماتها اتجاه العراق بكل وضوح، هذا من جهة.
أما من جهة أخرى فإن التراجع الأمريكي في المنطقة عموماً، يعني بالضرورة تراجع مشروع الفوضى، الذي كان العراق، أكثر متضرريه، أي: أن كف أذى الأمريكي عن العراق، إفساداً وفتنةً ونهباً، يعني فتح الباب واسعاً أمام عراقٍ قويٍ ومستقلٍ، يبقى على القوى السياسية الوطنية أن تدفع اتجاه إنهاء تواجد القوات الأجنبية بكل أشكالها على الأرض العراقية، وأن تناضل من أجل دور قوي للدولة ومؤسساتها، وسياسات اقتصادية اجتماعية عادلة ومنصفة للشعب العرافي بمكوناته كافة، أي: أن تكون حاملاً سياسياً للتغيير المطلوب، والذي سيفرضه الشعب العراقي، صاحب التجربة النضالية الطويلة، في نهاية المطاف.