حول صفقة الغاز بين مصر والكيان الصهيوني
أعلنت شركة «ديليك» «الإسرائيليّة» للغاز الطبيعيّ أنّها توصلّت لاتفاقٍ مع شركة «دولفينوز» المصريّة، وبحسب الاتفاق، فإنّ الحديث يجري عن قيام شركة الكيان الصهيوني ببيع المصريين 64 مليار متر مكعّب لفترة تصل إلى 10 أعوام، حيث تصل قيمة الصفقة بينهما إلى مبلغ 15 مليار دولار، وقد سارع رئيس دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إلى مُباركة الاتفاق، لافتًا إلى أنّ الحديث يجري عن صفقةٍ تاريخيّةٍ بين بلاده ومصر.
الحكومة المصرية، وفي سياق ردها على الانتقادات الواسعة لهذه الاتفاقية، تعتبر أنها حققت هدفها المتمثل بتحويل مصر إلى مركز للطاقة في المنطقة، حيث تسعى مصر لاستيراد الغاز القبرصي والقطري أيضاً، إضافة إلى أن هذه الاتفاقية ستؤدي إلى حل النزاع المصري «الإسرائيلي» حول اتفاقية الغاز التي وقعت عام 2005 والتي ألغتها مصر بعد ثورة 22 يناير عام 2011، وبسبب التفجير المتكرر لخطوط نقل الغاز إلى الكيان الصهيوني، وقد حكمت محكمة التحكيم الدولية بغرامات مالية على مصر، تصل إلى مليارات الدولارات كتعويض للكيان الصهيوني.
الحكومة المصرية حاولت تخفيف حدة الانتقادات الموجهة لها، عبر الإعلان عن أنها لم تكن طرفاً رسمياً في الاتفاق، وأن الاتفاق كان من قبل شركات خاصة، حيث وافقت الحكومة المصرية على السماح للقطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعي من الخارج، واستخدام الشبكة القومية للغازات في تسويقه، والحكومة المصرية ستتلقى عوائد مالية مقابل استخدام محطاتها.
الاتفاقية لمصلحة من؟
الملفت أن مصر وباكتشاف حقل الظهر العملاق، الذي يحقق لها الاكتفاء الذاتي لحاجتها من الغاز، ليست بحاجة إلى استيراد الغاز «الإسرائيلي» أو غيره، ولكن الاتفاقية تعود بالنفع على الكيان الصهيوني أولاً، الذي يسعى لإيجاد أسواق لبيع الغاز الفائض لديه في فلسطين المحتلة، حيث كان الكيان الصهيوني يسعى إلى تصدير غازه الى أوروبا، ليكون منافساً للغاز الروسي، ولكن هذا يتطلب إمداد خطوط الغاز عبر سورية ولبنان اللتين لا تعترفان بالكيان الصهيوني، أو إنشاء خط بحري عبر قبرص واليونان وإيطاليا يبلغ طوله 2200 كم، وفقاً لموافقة مبدئية وقع عليها وزير الطاقة في دولة الاحتلال، والذي يحتاج إنشاؤه إلى ثماني سنوات وتقدر تكلفته بحوالي 7 مليارات دولار، وسيكون أطول خط لنقل الغاز عبر العالم.
جهاز الدولة والقطاع الخاص
السياسات الليبرالية في مصر، والتي بدأت بتطبيقها في سبعينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى تراجع في دور الدولة وطرح منشآتها للاستثمار من قبل القطاع الخاص المحلي والخارجي، أدى إلى فقدان مصر لسيادتها على منشآتها، وأصبح القطاع الخاص هو الممسك بثروات مصر وقدراتها، وبنية جهاز الدولة المصرية اليوم ودرجة تشابكه مع القطاع الخاص تقف عائقاً نحو تغيير مصر في سياساتها، وتضعف أية محاولات مصرية لتغيير النهج الاقتصادي، ويدفع مصر دائماً نحو تبني سياسات صندوق النقد الدولي وتطبيق برامجه الاقتصادية.
رفض شعبي واسع للاتفاقية
الاتفاقية الجديدة لاقت حالة من الرفض على المستوى الشعبي، لا سيما وأنه لا توجد حاجة، أو فوائد اقتصادية حقيقية تعود على الجانب المصري، وحده الضغط الشعبي المتصاعد يستطيع أن يدفع الحكومة المصرية نحو إجراء تغيير جوهري في سياساتها، والتراجع عن السياسات الاقتصادية الليبرالية، وإعادة دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة سلطتها على منشآتها وثرواتها الطبيعية، لا سيما أن التوازن الدولي الجديد يشكل فرصة تاريخية لمصر للخروج من الهيمنة الأمريكية.