خطاب عباس وخيارات الشعب
تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في منتصف شهر أيار، أي: تزامناً مع ذكرى النكبة الفلسطينية عام 1948، وهو ما اعتبره الفلسطينيون استفزازاً أمريكياً جديداً.
النوايا الأمريكية المعلنة، تزامنت مع إلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلمة حول مستجدات القضية في مجلس الأمن لأول مرة منذ عام 2009، بدا فيها «ثورياً» وهو يرفض عملية السلام برعاية أمريكية، داعياً إلى مؤتمر دولي للسلام، يستند لقرارات الشرعية الدولية، ويتم بمشاركة واسعة، تشمل الطرفين المعنيين، والأطراف الإقليمية والدولية.
لكن عباس الذي لم ير يوماً سوى المفاوضات سبيلاً للحل، والسلام مع الكيان الصهيوني هدفاً، دعا في كلمته إلى إحياء «مبادرة السلام» العربية التي مضى عليها 16 عاماً، ولم يقابلها سوى استخفاف من دولة الاحتلال وتجاهل من ممثلي الدول الذين يجلسون معه في القاعة ذاتها! ودعا إلى تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات لحل جميع قضايا الوضع الدائم حسب اتفاق «أوسلو»، رغم أنه لم يمض شهران بعد على قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، التي تضمنت اعتبار الفترة الانتقالية_ التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو، والقاهرة، وواشنطن، بما انطوت عليه من التزامات_ لم تعد قائمة!
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ضرورات مراعاة الخطاب الفلسطيني في مجلس الأمن لاعتبارات دبلوماسية، فإن استجداء السلام مع دولة الاحتلال، وهو ما اتصفت به كلمة عباس عموماً، والظهور بمظهر العاجز، دون التلميح إلى أوراق قوة وخيارات بديلة يملكها الشعب الفلسطيني، مع استمرار دولة الاحتلال وواشنطن بالتمادي، وموقف مؤسسات المجتمع الدولي بالمحصلة، يعكس عقلية السلطة وسياساتها وكذلك وضعها القائم.
حيث يمكن القول: إن السلطة بتكوينها وبنيتها وعقلية القائمين عليها، ونتيجة لعقود طويلة من التسويات، وما ترتب عليها من التزامات، يجعلها عاجزة عن تجاوز الوضع القائم، نحو خيارات قادرة على تحصيل حقوق الفلسطينيين.
لكن ما يمكن التعويل عليه حقاً، هو: الشعب الفلسطيني ذاته من جهة، المستمر بنضالاته، والتوازن الدولي الجديد من جهة أخرى، فالضغط الشعبي القادر على إيجاد حلول وأدوات إبداعية، مع ما يتيحه الظرف الدولي الجديد اليوم من نموذج جديد، وراعين جدد لاستقرار العالم، يشكلان معاً الأساس الذي يمكن الاستناد عليه في مقاومة الاحتلال، ورفض الضغوطات، وخاصة مع حديث مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بأن العمل على صياغة «اتفاق سلام» جديد بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» يوشك على النهاية، وأن العمل مستمر اتجاه طرح ما يسمى بـ «صفقة القرن»، وهو ما يتطلب بالمحصلة نقاشاً بين الفصائل الفلسطينية جميعها، وصياغة استراتيجية وطنية تحظى بدعم شعبي.