تجّريم التطبيع: ورقة عبّاد الشمس التونسية
منذ عام 2012 والبرلمان التونسي يشهد حراكاً من أجل إقرار قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، مؤخراً تم إعادة هذه المسألة إلى الواجهة من قبل عدد من القوى السياسية والشعبية، ولكن إقرار هذا القانون لايزال يواجه العراقيل بسبب «رفض الأغلبية» داخل البرلمان!
تم طرح مشروع تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في تونس لأول مرة في عام 2012، أمام المجلس التأسيسي، الذي كان من مهمته صياغة الدستور الجديد للبلاد، وكانت المطالب تتضمن إدراج تجريم التطبيع تحت بند يحمل رقم 27، ليكون مادة دستورية، تشكل أساساً لفرض قوانين إضافية تجرّم التطبيع بأشكاله كافة، لكن ذلك لاقى رفضاً من قبل «الترويكا الحاكمة» في حينه. لتعود وتتقدم به «الجبهة اليسارية» في عام 2015، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم لا يزال مشروع القانون هذا يصطدم بالتأجيل والمماطلة في محاولة لإلغائه.
دعم «الجبهة الشعبية»
احتجاجاً على قرار ترامب بشأن القدس، تقود حالياً «الجبهة الشعبية»، وهي الائتلاف السياسي المكون من عدد من الأحزاب والتجمعات اليسارية والقومية، حراكاً داخل البرلمان، لاقى الدعم من قبل كتل مختلفة، للإسراع في مناقشة قانون تجريم التطبيع، حيث تمكنت من جمع أكثر من مائة توقيع، وبناءً عليه أُحيل مشروع القانون إلى جدول أعمال لجنة التشريع العام داخل البرلمان، من أجل مناقشته، قبل تمريره إلى جلسة عامة للتصويت، حيث كان من المفترض أن تتم المناقشة في 20 شباط الحالي، إلا أن رئاسة المجلس أجلت ذلك إلى موعد لاحق لم يتم تحديده بعد.
يحتوي مشروع قانون «الجبهة الشعبية» على ستة فصول تجرّم المعاملات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية جميعها، ويُعاقَب المطبّعون بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة من أربعة آلاف إلى أربعين ألف دولار. وفي حال حظي مشروع القانون بفرصة لمناقشته داخل البرلمان، فإن التصديق عليه سيحتاج إلى أغلبية مطلقة، أي: 109 أصوات من مجمل عدد المقاعد البالغة 217 داخل البرلمان التونسي، أي: أنه عملياً يحتاج إلى موافقة «الأغلبية الحاكمة».
رفض «النهضة» و«النداء»
تتضمن «الأغلبية الحاكمة» في البرلمان التونسي كلاً من «حركة النهضة» المعروفة بارتباطاتها التاريخية بحركة «الإخوان المسلمين» والتي تمتلك 68 مقعداً داخل البرلمان، و«حركة نداء تونس» ذات التوجه الليبرالي والتي تمتلك 56 مقعداً في البرلمان. وتشير المصادر إلى وجود صراع يدور بين كتلة «الجبهة الشعبية» التي تسعى إلى تمرير مشروع تجّريم التطبيع، وبين كتل الائتلاف الحاكم التي تسعى إلى سحب المشروع من التداول أصلاً، حيث صوتت «حركة النداء» لصالح تأجيل مناقشة المشروع مؤخراً، بينما تؤكد تصريحات المسؤولين والسياسيين سواء في «حركة النداء» أو في «حركة النهضة» على الموقف بشكل واضح، معتبرة أن تمرير هذا القانون سيشكل عبئاً على الاقتصاد التونسي ذي الارتباطات الخارجية.
تشكل معركة قانون تجريم التطبيع في تونس، وتلاقي مواقف «النهضة» و«النداء» على رفضه، أن القوى ذات البرامج الاقتصادية الليبرالية، يحكمها بالضرورة موقف سياسي مرتبط بالغرب. لكن تلك القوى وسياساتها لن تستطيع الصمود في وجه الضغط الشعبي ومطالبه الوطنية في نهاية المطاف، والمعركة لن تطول باستمرار المسيرات الشعبية التي تشهدها شوارع تونس للمطالبة بإقرار قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.