داعش إلى افريقيا...سيناريو أمريكي جديد؟
مع الإعلان الروسي عن هزيمة تنظيم داعش على ضفتي نهر الفرات، ازدادت التحذيرات التي تشير إلى أن التنظيم سينقل ثقله إلى إفريقيا، وكانت الهجمات الإرهابية الأخيرة التي تبناها التنظيم في مصر، مؤشراً على حدوث مثل هذا السيناريو في القارة...
في هذا السياق، كتب ديمتري مينين مقالاً يحلل فيه انتشار داعش في إفريقيا، والذي تعدّ الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر منه، في مواجهة روسيا والصين هناك. فالولايات المتحدة خسرت موقعها في القارة الإفريقية بسرعة كبيرة، لصالح القوى الصاعدة، ممّا يجعلها يائسة لفعل أيّ شيء يمكنها من الرجوع هناك.
مواجهة القوة الصينية
يقول مينين: «العديد من الخبراء مقتنعون بأنّ «الدولة الإسلامية» تجمع قواها لإطلاق هجوم كبير على ليبيا ومصر في المستقبل القريب، والهدف المعلن الرئيس سيكون: إنشاء إمبراطورية جديدة لتعويض خسائر المتطرفين في العراق وسورية. انتشر خطاب لأبي بكر البغدادي على الإنترنت، وهو يدعو مقاتلي «الدولة الإسلامية» للتجمّع جنوب ليبيا، حيث يمكنهم من هناك إطلاق هجوم على كامل القارة».
ويؤكد المقال: «يستحيل إعادة تجميع قوات «الدولة الإسلامية» بمثل هذا الحجم دون معرفة ومساعدة البنتاغون... بل إنّ ليبيا هي هدف أفضل من سورية بالنسبة للولايات المتحدة: فهي تحوي على كميات معتبرة من النفط، ناهيك عن أنّها ستبدي مقاومة أقل في الغالب».
والذي يدفع بـ«داعش» إلى إفريقيا هي: الحسابات الجيو_ استراتيجية الأمريكية، فبعد أن خسرت الولايات المتحدة موقعها بسرعة هناك: «ستقوم بإجراءات استثنائيّة لاستعادته». فالقوة التي بات وجودها هو الأكبر في القارة حالياً هي الصين: «فحجم التجارة السنوية بين الصين وإفريقيا هو قرابة 400 مليار دولار، وهو ما يشكل أربعة أضعاف التجارة بين إفريقيا والولايات المتحدة، التي تصل إلى 100 مليار دولار. كما أنّ الصين هي الرائد المطلق في كلتي الاستثمارات والمساعدات. ففي نهاية 2015، أعلن الزعيم الصيني شي_ جينبنغ عن استعداد بلاده لتزويد الصين بستين مليار دولار إضافية لمشاريع مختلفة».
كما أنّ للصين حضوراً عسكرياً وليس اقتصادي فقط في القارة: «تمّ في عام 2005 إرسال 600 جندي لحفظ السلام إلى ليبريا، ويقوم الجيش الصيني تحت راية قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة، بعمليات حفظ سلام في الصحراء الغربية وسيراليون وساحل العاج والكونغو ومالي وجنوبي السودان. كما ساعد الصينيون في تشاد خصوم الرئيس إدريس ديبي، الذي قام بالاعتراف بتايوان بكلّ تهور».
وقام الصينيون في آب 2017 بافتتاح أوّل قاعدة عسكرية ما وراء البحار لهم في جمهورية جيبوتي في القرن الإفريقي، بالقرب من معسكر ليمونيير: أكبر قاعدة أمريكية في إفريقيا، والتي تحوي حوالي 4000 جندي: «تدفع واشنطن 63 مليون دولار سنوياً للإبقاء على معسكر ليمونيير، بينما تدفع الصين عن كلّ منشآه عسكرية لها في جيبوتي 100 مليون دولار سنوياً. فليس من عجب بعد ذلك أنّ سلطات جيبوتي تجاهلت المساعي الدبلوماسية الأمريكية، التي طلبت منهم عدم السماح للصين بافتتاح قاعدتهم».
العجز الأمريكي
أمّا روسيا، فرغم أنّ حجم التجارة بينها وبين إفريقيا متواضع في الوقت الحالي، فهو لا يزيد عن 20 مليار دولار سنوياً، فهي بهذا الحجم الصغير فتحت الباب لنفسها لتحتل مكانة أكبر في المستقبل: «تقوم موسكو حالياً بإنجاز مشاريع كبيرة الحجم وطويلة الأمد، من أجل تعزيز حضورها في المثلث الاستراتيجي الهام: مصر وليبيا والسودان. ومنها: توقيع اتفاق بقيمة 29 مليار دولار من أجل إنشاء أوّل محطة طاقة نووية في مصر، حيث ستمنح روسيا مصر 25 مليار دولار على شكل قرض طويل الأمد، بمعدلات فائدة منخفضة. كما أنّ هنالك مناقشات جارية لمسودة اتفاق لإنشاء منطقة صناعية روسية، في المنطقة الصناعية في قناة السويس، تتضمن قيام روسيا بالاستثمار هناك بقرابة 7 مليارات دولار. كما قامت روسيا بمفاوضات مع جيبوتي لإنشاء قاعدة عسكرية لها هناك، لكنّ المفاوضات توقفت حالياً لأسباب مالية، ويمكن إعادة فتحها في أيّ وقت. كما أنّ الولايات المتحدة قلقة من إنشاء قاعدة روسية بالقرب من مدينة سيدي براني المصرية، وكذلك قاعدة أخرى في مدينة بنغازي في ليبيا».
وبسبب عجز الولايات المتحدة عن الوقوف بشكل مباشر في وجه خصومها، وخاصة الصين، سواء اقتصادياً أو عسكرياً في القارة الإفريقية، فلا بدّ لها من الاستعانة بوسائل حرب هجينة، وإجراءات استثنائيّة كي تقوّض من خلالها موقعهم، واعتمادها الآن سيكون على داعش.