قراءة أولى في الحدث الإيراني!
تشهد إيران منذ أيام حركة احتجاجية، تجلت بعدة تظاهرات في العديد من المدن الإيرانية، بدأ الحراك الجماهيري مطلبياً ولكن سرعان ما أخذ بعداً سياسياً، من خلال الشعارات المتعلقة بالموقف من النظام السياسي برمته، على الأقل في بعض التظاهرات، وبغض النظر عن البروباغندا الغربية، ونسختها الإقليمية، التي تحاول دفع الأوضاع إلى المزيد من التصعيد، وتوظيفها في سياق الصراع مع إيران حول خياراتها الإقليمية والدولية، ضمن استراتيجية تعميم الفوضى في كل دول المنطقة كلها، بغض النظر عن ذلك كله، فإن هذا التطور الميداني في إيران، يؤكد على جملة قضايا:
أولاً: يكشف الحراك عن جملة تناقضات، في المجتمع الإيراني، ويؤكد من جديد، بأن تراكم التناقضات داخل أية بنية, سيؤدي بالضرورة إلى تفجير الأوضاع فيها، فالنموذج الرأسمالي الطرفي منتج موضوعياً للأزمات، وإذا كان بالإمكان احتواء هذه الأزمات خلال المرحلة السابقة وإدارتها بهذا الشكل أو ذاك، فإنها في ظروف أزمة المركز الرأسمالي الغربي، وامتداداتها الدولية: مالياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وفي ظل اضطراب الوضع الإقليمي ككل، بات من المستحيل إدارة النظام السياسي لأية دولة من الدول الطرفية بالطريقة السابقة، مما يضع بالضرورة قضية التغيير على جدول الأعمال.
ثانياً: ولكن، وبمتابعة أولية، يظهر بأن قوى دولية عديدة، وتحديداً قوى الغرب الرأسمالي، والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، كانت تنتظر مثل هذا المشهد، حتى تدخل على خط الأزمة وتدفعها بالاتجاه الذي تريد، وتحاول التحكم بالتغيير المطلوب.. ومن نافل القول: أن هذا السلوك الغربي كان متوقعاً على الدوام، ولا تكمن المشكلة فيه، كونه طرفاً معادياً، بقدر ما تكمن المشكلة في عدم التنبه له، وقطع الطريق عليه، من خلال القطع مع تلك السياسات التي تستطيع قوى المركز الغربي الرأسمالي من خلالها، التأثير على مسار الأحداث، وبالدرجة الأولى السياسات الليبرالية، المنتجة للفساد والتهميش، والاغتراب، من خلال الفقر والبطالة، والقمع.
ثالثاً: إن كون المشكلة داخلية في الأصل، لا يلغي مسؤولية القوى الغربية ودورها التخريبي، كما يحاول البعض أن يوهم الرأي العام، لا سيما وأن التدخل الغربي في شؤون الدول والكيانات لم ينقطع، سواء كانت أوضاعها مستقرة أم غير مستقرة، ولكن التجربة الملموسة لأغلب هذه الدول تؤكد في الوقت نفسه، أن المواجهة مع المركز الرأسمالي، هي الأقل خسارة، ونقصد بالمواجهة هنا، المواجهة الشاملة بما فيها الاقتصادية، وتحديداً السياسات الليبرالية التي باتت حصان طروادة لذاك المركز، في إنهاك كل دول العالم.
رابعاً: لم يعد واقعياً في عالم اليوم، تأجيل أو تسويف حل أية ظاهرة في أية دولة من الدول، وخصوصاً في تلك الدول التي ليست على علاقة سياسية طيبة مع دول المركز الغربي، فمن الطبيعي أن يلجأ هذا المركز إلى دفع الأوضاع إلى المزيد من التوتر، أو على الأقل العمل عليها لإحداث تراكم، يسمح بتفجير الأوضاع في ساعة الصفر، التي تتطلبها مصلحة الدول الغربية، أقله إثارة الفوضى، ومن الجدير بالذكر هنا، هو: أن تفّجر الأوضاع في إيران ، والوقاحة الأمريكية في التعاطي مع الموقف، تزامن مع أحد أهم القرارات التي اتخذتها إيران مؤخراً، وهو: بيع النفط باليوان الصيني، بدل الدولار، وهو ما يعتبر من أحد أهم المحرمات لدى قوى رأس المال المالي في الولايات المتحدة، باعتبار أن الأمر يتعلق بأحد أهم أدوات الهيمنة الأمريكية، أي: «الدولار» كعملة تبادل وحيدة في سوق النفط. ومن هنا، فإن الدول الطرفية التي تحاول أن تلعب دوراً مستقلاً عن الغرب الرأسمالي، وإيران منها، مدعوة أن تعمل وفق جدلية ترابط المهام الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، في إطار تكاملها، وباعتبارها مهمة واحدة في نهاية المطاف، لا يمكن الفصل بينها.
خامساً: بغض النظر عن مآلات تطور الوضع في هذا البلد، نعتقد أن استمرار الدور الإقليمي لإيران في رفض الهيمنة الأمريكية، يتوافق تماماً، بل يتطلب تلبية الحقوق المشروعة للشعب الإيراني في التغيير، فكلما تمت تلبية هذه المطالب الاقتصادية والديمقراطية، تتوفر فرص أكبر في مواجهة العدوانية الأمريكية، والعربدة الصهيونية، أي: أنها ليست ضرورات اقتصادية وديمقراطية فقط، بل ضرورات وطنية أيضاً.
المحرر السياسي لموقع قاسيون الالكتروني