«النووي الإيراني» يعرّي شقاق واشنطن

«النووي الإيراني» يعرّي شقاق واشنطن

بعد مداولات مكثّفة داخل الكونغرس الأمريكي، وبين أعضاء الإدارة الأمريكية بين الرئيس ترامب ومستشاريه، ووزيري الدفاع والخارجية، خرج الرئيس معلناً: أنه لن يصدق على الاتفاق النووي الإيراني، دون أن يعلن انسحاب الولايات المتحدة منه، ليحيل الحسم في هذه المسألة إلى الكونغرس، في مدة أقصاها شهران من تاريخه، بحسب قانون «مراجعة الاتفاق النووي الإيراني» المعتمد من النواب الأمريكيين في أعقاب توقيع الاتفاق عام 2015 بين إيران و«مجموعة 5+1»...

هذا القرار الأمريكي، أعقبه ردود أفعال واضحة من دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، وأخرى من إيران المعني الأول بالموقف الأمريكي المذكور، باعتبار أن «الاتفاق النووي الإيراني»، مصادق عليه في  مجلس الأمن الدولي، أي: على أساس توافق دولي متعدد الجهات ولا يخص واشنطن وحدها ...

صراع أمريكي - أمريكي
شهدت الأسابيع القليلة الماضية مداولات واسعة داخل أروقة الإدارة الأمريكية قبل موعد «إعادة التصديق على الاتفاق»، لكن الملفت أن هذه المسألة أظهرت علناً، مستوى التشنج بين ممثلي «النخب» الأمريكية بمستويات غير مسبوقة، كمحصلة لجملة الخلافات المتراكمة في التعاطي مع القضايا الداخلية والخارجية، وبالتالي فإن حجم الأزمة التي رافقت التصديق من عدمه، هي النقطة التي أفاضت الكأس داخل أمريكا.
والملاحظ: أن معارضي الرئيس الأمريكي في نزعته نحو إلغاء الاتفاق، توزعوا بين ما يسمى «الحمائم» و«الصقور». ولم تقتصر معارضة ترامب وما يمثله على «الحزب الديمقراطي» - حسب التوزيع الكلاسيكي المصدّر إعلامياً للسلطة والمعارضة في أمريكا- الأمر الذي يعتبر مؤشراً على وجود خلل في توزيع الأدوار والصلاحيات والمكاسب داخلياً وخارجياً، بين من اعتادوا على نمط محدد من إدارة الأزمات وإمكانات تصديرها، في مرحلة سابقة اتسمت بتوافر أغلب أدوات السيطرة والهيمنة الأمريكية على الموارد العالمية.
وكمثال على ذلك، لاقى جناح الرئيس ترامب معارضة علنية من وزير دفاعه، جيمس ماتيس، الذي أفاد أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ، قبل أيام على قرار ترامب: بأن «الاستمرار في الاتفاق يخدم مصلحة أمريكا الأمنية»، كذلك أكد رئيس «هيئة الأركان الأمريكية المشتركة» الجنرال، جوزيف دانفورد، على أهمية المضي بالاتفاق النووي.
في السياق ذاته قال، جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق: إن الانسحاب من الاتفاق «لا يعزل النظام الإيراني بل يعزل الولايات المتحدة الأمريكية في العالم»، بينما أكد السيناتور «الديمقراطي»، تيم كاين، المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس: إنّ «الاتفاق النووي الإيراني يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً» مضيفاً: «لا تأخذوا هذه الحقيقة من كلامي، إسألوا وزير دفاع ترامب».
كما يظهر الصراع داخل أروقة البيت الأبيض بشكل أوضح، من خلال حديث، بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والمرشح السابق لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الحالية، عن توازنات القوى داخل الإدارة الحالية صراحةً، بالإشارة إلى أن وجود الثلاثي، جيمس ماتيس «وزير الدفاع»، وجون كيلي «كبير الموظفين في البيت الأبيض»، وريكس تيلرسون «وزير الخارجية»، يحول دون وقوع البلاد في الفوضى. وفي مقابلة سابقة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، 8 تشرين أول الحالي، صرح كوركر بأن «تصرفات الرئيس خلال الأزمات العالمية المستجدة يشكل خطراً واضحاً وفورياً على السلام العالمي، وأنه يوجه تهديدات طائشة لدول أخرى، يمكن أن تضع بلادنا على سكة حرب عالمية ثالثة».
في المقابل: يشير ترامب من جهته إلى أحد مضامين الخلاف ببعده الداخلي وذلك بالقول رداً على منتقديه: «إن المشاركين في الاتفاق يجنون أموالاً طائلة من صفقاتهم التجارية مع إيران».
هنا من الضرورة بمكان، التأكيد على أن المواقف المعارضة لترامب وما يمثله داخل الإدارة الأمريكية، لا تعني بأية حال من الأحوال تحول خصومه إلى دعاة سلام على مستوى العالم، إنما يجري استخدام الأحداث الجارية، ومنها الملف النووي الإيراني سياسياً، ضمن صراع داخلي أوسع، يشمل التعديلات الضريبية المقترحة من الإدارة الحالية، ومدى الالتزام بالاتفاقيات الدولية الأخرى كاتفاقية «الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي»، و«اتفاق التبادل الحر لدول أمريكا الشمالية»، والعلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وغيرها الكثير من الملفات التي يجب إعادة النظر بالتعامل معها بما يتناسب مع وضع الولايات المتحدة الأمريكية «غير المهيمن» كما اعتادت الإدارات السابقة.

تباينات دولية
في بيان مشترك لهم، حذر قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بعد قرار ترامب عدم التصديق على الاتفاق، من اتخاذ قرارات قد تضر بالاتفاق النووي مع إيران، مثل: إعادة فرض عقوبات، مشاطرين الولايات المتحدة المخاوف بشأن برنامج إيران للصواريخ الباليستية، والأنشطة «المزعزعة للاستقرار في المنطقة» بحسب تعبيرهم، وأنهم على استعداد للعمل مع واشنطن لتبديد هذه المخاوف. في السياق نفسه، أكدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني: أنه لا سلطة للرئيس الأميركي في إلغاء الاتفاق، وقالت: إن «رئيس الولايات المتحدة لديه سلطات عديدة، ولكن ليس هذه السلطة».
في المقابل: أظهرت السعودية تأييدها المطلق لما أسمته «الاستراتيجية الحازمة»، التي أعلن عنها ترامب اتجاه إيران ونهجها «العدائي». حيث «أشادت الرياض برؤية ترامب في هذا الشأن والتزامه بالعمل مع حلفاء واشنطن في المنطقة، لمواجهة التحديات المشتركة وعلى رأسها سياسات وتحركات إيران العدوانية في المنطقة»، وذلك حسب ما أوردته وكالات أنباءٍ، في إشارة إلى إعادة تأكيد السعودية لنفسها على أنها الحليف الأول لواشنطن في المنطقة، وهو ما يعني أنها مرجحة لتحمل تبعات تراجع النفوذ الأمريكي المستمر في المنطقة.

يمكن القول: أنه على الرغم من التنسيق العالي المعتاد في الكثير من الملفات الدولية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلّا أن مسارعة أوروبا اليوم إلى رفض نوايا إلغاء الاتفاق النووي، له اعتبارات عديدة وأهمها: اقتصادية، حيث تثبت مجريات الأحداث العالمية بشكل أوضح يوماً بعد يوم، ضيق الأفق أمام الأوروبيين في حال حافظوا على ارتباطهم الوثيق بواشنطن سياسياً واقتصادياً، مقابل الفرص التي تتيحها لهم دول أخرى صاعدة. وبالتالي تعتبر العلاقات الإيرانية_ الأوروبية ضرورة يجب الحفاظ عليها أوروبياً، كفرصة استثمارية بدأت تخط طريقها بتوقيع اتفاقيات، بلغت قيمتها عشرات المليارات، في مجالات النقل الجوي والنفط والطاقات المتجددة وغيرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
833