اليمن: هوامش واشنطن تتضيق

اليمن: هوامش واشنطن تتضيق

رغم الإجماع الدولي على كارثية الأوضاع الإنسانية في اليمن، وتقارير منظمات الأمم المتحدة التي تؤكد بالإحصاءات اليومية هول معاناة الشعب اليمني، إلّا أن حل الأزمة يبقى في طور الركود السياسي، ومرهون ببعض الحسابات الإقليمية التي يغيب الوضوح عن أهدافها، بعد انتهاء أوهام الحسم العسكري والثبات النسبي في التموضعات الميدانية للأطراف المتنازعة...

رغم وجود بعض الرؤوس الحامية، التي لا تفهم التوازنات، لا شك في القناعة السعودية- الإماراتية حول استحالة تحقيق «كسر العظم» للتوازنات الداخلية الحالية في اليمن، تحديداً بعد انتهاء آمال السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، لما في ذلك من خسائر محتملة، وخطورة إغلاق أهم منفذ لليمن على باقي العالم، وفي الوقت نفسه، لا تعطي الدولتين أية إشارات حول الأهداف المقبلة لوجودهم في اليمن، عدا «حماية الشرعية»، وهو غير كاف كذريعة للوجود العسكري هناك، طالما أن المتغير الوحيد سلباً هو حجم المأساة الإنسانية للشعب اليمني...

خيارات غير سارّة
في الأشهر الأخيرة للإدارة الأمريكية الفائتة، استمهلت السعودية والإمارات في اتخاذ أي قرار لتحريك المسار السياسي اليمني، حتى وصول الإدارة الجديدة وفهم طريقة التعامل الأمريكي «الجديد» مع الملف اليمني، هذا من منظور السعودية والإمارات على أقل تقدير، لكن النتيجة أن قوى في واشنطن ظلت حتى الآن تهمس همساً لحلفائها في اليمن، ولا تظهر في واجهة الصدام العسكري والسياسي على الأراضي اليمنية، وذلك يعود إلى الخوف الأمريكي من رفع مستوى الأزمة اليمنية من وضعها كصراع إقليمي إلى صراع دولي، لأن وضع واشنطن وحلفائها في المنطقة اليوم يعاني هزات كبرى في «البيت الخليجي» وفي العراق وسورية، وبالتالي واشنطن تلقي بثقل هذا الملف على السعودية والإمارات في هذه المرحلة، وتكتفي بتأمين الغطاء السياسي دولياً، والاستشارة العسكرية والسياسة عندما يلزم الأمر.
وفي الأحوال كلها، ليس لدى واشنطن خيارات حاسمة وسريعة الأثر في الملف اليمني، والسبب هو ظهور الإمارات في هذه المرحلة بدور يشابه بحدود ما الدور القطري في مراحل سابقة، أي: محاولات تكوين نفوذ إقليمي وازن في محيطها، ووجود إحساس لدى حلفاء واشنطن بهوامش الحراك المنفرد في اليمن نسبياً، والدليل: أن بعض المحاولات الأمريكية في نهاية عهد الإدارة السابقة بغية تحريك الملف اليمني سياسياً فشلت بفعل المماطلة السعودية والإماراتية، والرهان على ما قد تأتي به الإدارة الجديدة.
والجدير بالذكر أن هذا التحريك الأمريكي حدث في مرحلة زمنية ضيقة من عمر الإدارة السابقة، سمح حينها ميزان القوى داخل تلك الإدارة بتمرير «مبادرة كيري» لحل الأزمة اليمنية، والسبب الآخر: وجود أدوار موازية للدور الأمريكي كدور بريطانيا التي لها حساباتها الخاصة في اليمن.
وهذا الوضع المعقد يمكن تلخيصه بالقضايا التالية: أولاً، عجز سعودي- إماراتي عن تحديد الأهداف السياسية المقبلة في اليمن، بغياب أية مبادرة لحل الأزمة عن التداول، وصعوبة الموائمة بين المواقف الأمريكية «المتحفظة» في هذا الملف، والمواقف الخليجية المحبطة من عجز واشنطن عن الانخراط الكلي في حربهم على اليمن، وبالتالي، عدم القدرة على استنباط موقف متجانس يخرج بهم جميعاً من المستنقع اليمني.
ضيق الآجال الزمنية لبحث هذه القوى عن مخارج الأزمة سياسياً باستثناء العودة سريعاً إلى قرار مجلس الوحيد 2216 كركيزة أساسية للحل السياسي، وبالتالي وجود الإمكانية الموضوعية لدخول قوى دولية بقوة على مسار الأزمة، وذلك مدفوع بحقيقة إنتاج واشنطن وحلفائها لواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في القرن الحالي.

كارثة تفوق التوقعات
توقعت الأمم المتحدة في نهاية حزيران الماضي، أن يصل عدد المصابين بالكوليرا في نهاية شهر آب الحالي، إلى 300 ألف مصاب، لكن النتائج في منتصف هذا الشهر فاقت تلك التوقعات بوصول عدد المصابين إلى حوالي 500 ألف مصاب، وأشارت «منظمة الصحة العالمية» التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها أن وباء الكوليرا في اليمن هو أكبر الأوبئة المنتشرة حالياً في العالم، وأن «السرعة التي ينتشر فيها الوباء تراجعت بشكل ملحوظ منذ بداية تموز»، لكنها حذرت أيضاً من أن «الوباء المنقول عبر المياه لا يزال يصيب 5 آلاف شخص في اليوم». ومن المتوقع أن تتجاوز عدد حالات الإصابة بالكوليرا 600 ألف نهاية العام الجاري، بحسب ما ذكرته «اللجنة الدولية للصليب الأحمر».
وفي السياق ذاته، أعلنت الأمم المتحدة: أن سبعة ملايين يمني على شفا المجاعة، محذرة من أن اليمنيين يموتون من أمراض قابلة للعلاج بسبب انعدام الخدمات الصحية الأساسية. وذكر تقرير لـ«مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة» أنه «بالإضافة إلى السبعة ملايين الذين يواجهون المجاعة، يعاني 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية»، وأشار التقرير: إلى أن «ثلثي السكان يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية»، وأن «كل شيء أصبح مطلوباً بشكل عاجل في اليمن، كالمأوى والغذاء والمياه والخدمات الصحية والصرف الصحي والسلامة».
المؤكد أن حل هذه المعضلة هو مهمة الحل السياسي المطلوب في اليمن، لكن فيما يخص الإجراءات الإسعافية: والحلول السريعة للحد قدر الإمكان من تفاقم الأوضاع الإنسانية، تعد مشكلة إغلاق مطار صنعاء، واحدة من كبرى المشاكل التي تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب، وكان «التحالف العربي» قد فرض في آب/2016، حظراً على الرحلات من وإلى مطار صنعاء، بحجة العمليات العسكرية القريبة منه، قبل أن تستثني بعد ذلك الرحلات الأممية، التي تحمل مواد إغاثية، وتقتصر حركة الطيران على مطاري عدن جنوباً وسيئون شرقاً.


فتح مطار صنعاء.. مطلوب إسعافياً
تؤكد الأمم المتحدة ضرورة إعادة الحركة إلى مطار صنعاء، ليس فقط من أجل نقل المساعدات الإنسانية، بل من أجل نقل الحالات المرضية المتزايدة في صنعاء ومحيطها، وهو ما لا يلقى أذناً مصغية لدى قيادة «التحالف العربي» في السعودية، والتي تشترط الإشراف الدولي على المطار من أجل السماح، حيث تؤكد السعودية أن التحالف مستعد لفتح حركة الملاحة الجوية، أمام الطائرات التجارية «في حال توفر عوامل حسن إدارة المطار وضمان أمن وسلامة الطائرات التجارية، وإيقاف عمليات التهريب»، جاء هذا على لسان المتحدث باسم قوات «التحالف العربي» العقيد الركن تركي المالكي، الذي دعا الأمم المتحدة للمساهمة في إدارة أمن مطار صنعاء، في الوقت الذي تعتبر فيه الأمم المتحدة، أن المسؤولية الرئيسة في هذا الشأن تقع على عاتق أطراف الصراع، بحسب ما ذكره المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
824