إنهاء الانقسام ليس «تبويس شوارب»
يعود الحديث عن ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس في مرحلة يشهد الإقليم فيها تغيرات سياسية متسارعة، تؤثر بالضرورة في الحالة السياسية الفلسطينية، التي لا يمكن حصرها بطبيعة الأحوال في حدود الحركتين المذكورتين. فيما يلي، نحاول البحث عن أسباب الدفع باتجاه المصالحة في هذه المرحلة من جهة، وعلاقة القوى السياسية مع الشارع الفلسطيني المنتفض في الأشهر الماضية من جهة أخرى...
بالنظر إلى الشد والجذب الذي يسود تصريحات مسؤولي الفصيلين حول مسألة المصالحة، يحاول كل طرف المناورة سياسياً في البنود ذات الطابع السلطوي، في غياب أية إشارة (اللهم سوى الإشارات شديدة العمومية والضبابية) أو بحث في بنود تتعلق بالحالة الشعبية المستمرة وعلاقة القوى السياسية بهذا الحراك المتصاعد منذ أكثر من عام...
مبادرات المصالحة
حسب ما ذكرت وكالة «الأناضول» التركية، أكد مصدر مسؤول في حركة حماس، أن الحركة تلقت يوم الأحد 6/آب الحالي، مبادرة مصرية بشأن تطبيق المصالحة
الفلسطينية مع حركة فتح. وقال المصدر: إن حماس ردت بإيجابية على المبادرة المقترحة وتنتظر بدورها رداً من فتح.
وبحسب المصدر المذكور، فإن المبادرة قد جرى طرحها خلال زيارة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الأخيرة إلى العاصمة المصرية القاهرة، الشهر الماضي، والتي التقى خلالها بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
في هذا السياق، علق عضو اللجنة المركزية لفتح ومفوَّض العلاقات الوطنية فيها، عزام الأحمد، في تصريحٍ صحفي مكتوب، إن السيسي لم يقدم أية مبادرة أو اقتراح لإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي لدى لقائه عباس في القاهرة قبل شهر.
وبحسب صحيفة «الحياة» اللندنية، تضمنت المبادرة المذكورة بنوداً ستة هي: (1) حل «اللجنة الإدارية الحكومية»، (2) تزامناً مع حل الجنة، يلغي الرئيس عباس كل إجراءاته وقراراته العقابية ضد قطاع غزة وحماس دون استثناء، (3) تمكين حكومة التوافق من العمل بحرية في القطاع، (4) حل مشكلة موظفي حماس واستيعابهم ضمن الجهاز الحكومي، (5) تنظيم انتخابات عامة فلسطينية، (6) دعوة القاهرة كل الأطراف الفلسطينية إلى حوارٍ شامل للبحث في سبل إنهاء الانقسام نهائياً.
وإذا صحت الأنباء القائلة بجاهزية حماس لبحث هذه البنود، فإن حركة فتح على لسان عزام الأحمد اختزلت شروط المصالحة بحل حماس للجنتها الإدارية في غزة، وتمكين حكومة «الوفاق الوطني» من تولي مسؤولياتها في قطاع غزة، وصولاً إلى إجراء الانتخابات العامة، ذلك كله كبداية للانطلاق نحو تطبيق بنود اتفاق المصالحة الوحيد، الموقع من قبل الفصائل الفلسطينية في 4/5/2011.
وتأكيداً على المماحكات ذات الطابع السلطوي بين الطرفين، يمكن العودة أيضاً إلى اتفاق المصالحة 4/5/2011، والذي جرى البحث فيه بشؤون الانتخابات والحكومة والأمن والمصالحة، لكن المؤسف غياب مفرداتهِ بشكل مطلق عن نصوص الاتفاق، كقضية «التنسيق الأمني»، الذي تعتمده السلطة في الضفة الغربية، أو أية إشارة إلى المقاومة، المسلحة أو غيرها.
ضرورات إنهاء الانقسام
في بحثنا عن أسباب تحريك الملف مجدداً، وبغض النظر عن الآراء الأولية التي تصدر من هنا أو هناك، طالما أن الحديث عن المبادرة في بداياته، يمكن تحديد مسألتين أساسيتين، تدفعان طرفي المصالحة هذه إلى التعاطي الجدي مع موضوع إنهاء الانقسام.
المسألة الأولى: متعلقة بالوضع الإقليمي المحيط بالقضية الفلسطينية، والذي لا شك أنه أثرّ سابقاً في الحالة السياسية الفلسطينية وكان عاملاً رئيساً في حالة الانقسام الفصائلية، وكذلك الأمر فهو اليوم أيضاً يؤثر في الحالة السياسية لكن ضمن معطيات جديدة. في هذا السياق، ترى مصر قطاع غزة ضمن مجال أمنها القومي وتبني علاقات متوازنة نسبياً بين فتح وحماس، مما سمح لها بتحفيز الطرفين نحو إيجاد حالة سياسية جديدة، يبدو أن مصر تريدها حالة «مستقرة» نسبياً خصوصاً في المناطق المحاذية لسيناء، تخفيفاً للضغط الحاصل على الجيش المصري في تلك المنطقة. من جهة أخرى، لا يمكن إغفال الأوضاع المتدهورة لدول إقليمية كقطر مثالاً، كان لها نفوذ سياسي وازن، ناتج عن دعمها لفصائل بعينها كما هو الحال بالنسبة لحركة حماس، ثم انخفض منسوب الدعم هذا، ما دفع حماس مثالاً للبحث عن مكان جديد لمكاتبها، والوجهة المقترحة في الآونة الأخيرة كما طالعتنا التقارير والصحف، كانت الجزائر، إضافة إلى إعادة التواصل بين الحركة وإيران على حساب الدور التركي المتراجع أيضاً في تأثيره على الحالة السياسية الفلسطينية.
هذه التبدلات وغيرها الكثير، لا شك أنها مؤثرة بقوة على الوضع السياسي الداخلي، لكن ماذا عن العوامل الداخلية الدافعة لتحريك ملف المصالحة؟
الحراك الشعبي يبحث عن ممثليه
تؤثر الحالة الشعبية المتصاعدة في الأراضي المحتلة وتحديداً في الضفة الغربية، مباشرة في الحالة السياسية الفلسطينية، طالما أنها تنمو بسرعة وبالضرورة فإنها ستبحث عن تمثيلاتها السياسية المستقلة بعيداً عن التمثيلات التقليدية الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذه المسألة من المؤكد أنها تثير قلق الساسة الذين لم يستطيعوا حقاً مجاراة الشارع الفلسطيني في قدرته على انتزاع مطالبه الوطنية كما هو الحال في الحراكين الشعبيين مؤخراً، حراك الأسرى المناضلين، وحادثة المسجد الأقصى مؤخراً.
فيما يخص حراك الأسرى، ورغم دعم الفصائل الفلسطينية كافة لمطالب الأسرى، إلا أن كتاباً محسوبين على حركتي فتح وحماس، طالعونا بتحليلات تسيّس الحركة النضالية للمضربين، متجاهلة الطابع الوطني الجامع والعابر للثنائيات السياسية، الذي يعد أحد أهم صفات الإضراب، وفي السياق نفسه، بخصوص حادثة المسجد الأقصى، حاول إعلام السلطة على مدار الأيام القليلة، التي تبعت انتصار أهالي الضفة على إجراءات الاحتلال، تجيير هذا الإنجاز لمصلحة السلطة، التي في الحقيقة عملت ضمن سقوف هي أدنى بكثير من مطالب الحراك الفلسطيني.
من هنا، يمكن القول: إن ارتفاع زخم الحراك الشعبي في الشارع، وارتفاع سقف مطالبه في مقابل انخفاض سقف مطالب الفضاء السياسي التقليدي، يعني أن هذا الشارع المنتفض سيكون له وزنه وكلمته التنظيمية- السياسية في المرحلة المقبلة، وهذا بالذات على حساب الأوزان التقليدية للحالة الفصائلية الفلسطينية. من هنا، يمكن فهم الجزئية الداخلية من جهود المصالحة بين الفصيلين، على أنها محاولة لإعادة ترتيب الاصطفافات السياسية في الانتخابات القائمة ضمن الثنائية نفسها فتح-حماس.
وحدة الصف... على أي أساس؟
علاوة على ما ذكرناه من تخلف في المواقف عن السياسية عن مواقف الشارع الفلسطيني، ماذا يمكن أن يحصد الطرفان بالنظر إلى الأوضاع المتردية اقتصادياً في كل من الضفة والقطاع؟ والتي تستخدم في القطاع تحديداً كأداة ضغط سياسية للسلطة الفلسطينية القائمة في الضفة على حماس، وكأن قادة حركة حماس ومسؤوليها هم من أصابهم الحصار وليس مليوني فلسطيني يعيشون اليوم أوضاعاً معيشية غير محتملة..!
المطلوب وطنياً هو وحدة الصف الوطني، هذا صحيح، لكن على أساس برنامج وطني حقيقي، يأخذ بعين الاعتبار التمثيلات الناشئة والفاعلة في الشارع الفلسطيني، ويعلن خيار المقاومة بأشكالها كافة، خياراً مبدئياً باعتباره خيار الشعب الفلسطيني، عدا ذلك فإن مخاوف التشكيلات السياسية الحالية من الحالة الشعبية وتبعاتها السياسية ستتحول قريباً إلى حقيقة، لتعيد الاصطفاف في الداخل الفلسطيني على أسس جديدة، تناسب مرحلة النهوض الجماهيري القائمة اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 824