«التعديلات الدستورية»: نحو تعميق الانقسام في تركيا
فصل جديد من التوترات السياسية في الداخل التركي، جاء في أعقاب الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 16/نيسان الحالي. هي الخطوة التي كرست الانقسام السياسي والمجتمعي في تركيا، بعد هزات عدة كان آخرها الانقلاب العسكري الفاشل في تموز من العام الماضي...
51.41% من المشاركين في الاستفتاء صوتوا – بحسب الزعم الرسمي التركي- لمصلحة التعديلات الدستورية، على أساس نسبة مشاركة بلغت 86% من الذين يحق لهم التصويت قانونياً، وبعيداً عن الجدل القائم حول شرعية هذه النتيجة من عدمها، فالمؤكد أن تركيا دخلت مرحلةً جديدةً من أزمتها الداخلية...
انقسام في الشارع
كما كان متوقعاً، عارض مواطنو المناطق الجنوبية الشرقية هذه التعديلات، «ديار بكر، ماردين، أغري، وغيرها»، إضافةً إلى مواطني ما يسمى بالجزء الأوروبي من تركيا، «أنطاليا، مرسين، أزمير»، كما أظهرت النتائج معارضة التعديلات في أجزاء واسعة في كل من أنقرة واسطنبول.
سياسياً، استطاع حزب العدالة والتنمية الحاكم، بالتحالف مع أحزاب في البرلمان، تمرير مشروع الاستفتاء برلمانياً في كانون الثاني من هذا العام، رغم معارضة حزبي «الشعب الجمهوري»، و«الشعوب الديمقراطي» للاستفتاء ولنتائجه بعد ذلك، متوعدةً بخطوات قانونية جديدة رفضاً للسير في التعديلات المذكورة.
لماذا الاستفتاء؟
رفعت تركيا منذ أوائل الألفية راية «الإسلام المعتدل»، وحققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعةً، وحضوراً إقليمياً بمواقف ملاصقة نوعاً ما للمواقف الغربية، لكن هذا كان في المرحلة التي انفجرت فيها الأزمة الاقتصادية في الغرب والولايات المتحدة، وانخفضت نسب النمو اتجاه معدلات غير مسبوقة هناك، وبالتالي، فإن تركيا لن تسلم موضوعياً من ارتدادات أزمة الاقتصاد العالمي بمجملها، كما أن التوترات السياسية في المنطقة وفي تركيا، لم تعد قادرةً على تنحية أزمة الاقتصاد التركي جانباً، نتيجة تفاقمها واستشعار الشارع التركي للأوضاع التي وصلت إليها البلاد.
فالتقارير الخاصة بالوضع الاقتصادي التركي تشير إلى أن الليرة التركية خسرت ما يقارب 50% من قيمتها، بينما تراجع الدخل الاقتصادي بحوالي 30%، وانخفضت نسبة النمو من 7% إلى 2.9%، وانسحبت حوالي 50% من الاستثمارات الخارجية، بسبب عدم الاستقرار، في حين بلغت معدلات البطالة حوالي 12%، وبين الشباب إلى أكثر من 25%.
هذه الإحصاءات يمكن أن تفسر جانباً مهماً من أزمة النخب السياسية في الداخل التركي، وضرورة القيام بتغييرات تخفف من وطأة الأزمة في الداخل، لكن من جهة أخرى، فإن تأثيرات الوضع الدولي والإقليمي بالمعنى السياسي المباشر، أي: الموقف التركي من القضايا العالقة إقليمياً ودولياً، له دور لا يقل أهميةً في تفسير الوضع الذي انتهت إليه الأمور في البلاد، والمقصود هنا: نمط التوجهات التركية في العلاقات الخارجية، والتي أثمرت تناقضاً مع الجوار الإقليمي من خلال السعي للعب دور مركزي، قائم على التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتناقضات أخرى مع الأوروبيين والوصول إلى طريق مسدود في القدرة على الوصول إلى تفاهمات مرضية للطرفين.
هذه المسائل الاقتصادية والسياسية، التي تثقل كاهل النخبة السياسية في تركيا، ونتيجة الإجراءات المتبعة من قبل السلطة بالتضييق على المعارضة التركية بالطرق كافة، وعدم وضوح الإجراءات التي تقوم بها السلطة تحت راية قانون الطوارئ، ومؤخراً إقامة الاستفتاء بأغلبية ضئيلة، هذه الوضعية لا يمكن أن تخدم تركيا للخروج من مستنقع أزماتها، والطريق الوحيد لذلك، هو في نمط علاقات اقتصادية وسياسية واضحة المعالم، مع القوى الصاعدة في العالم وفي الجوار، قائمة على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها وحل قضايا الداخل التركي، وبالأحوال كلها، فإن هذه المرحلة التي تشهدها تركيا يمكن وصفها بالمرحلة الانتقالية التي لم تظهر ملامحها الكاملة بعد، ومن الممكن أن تشهد تغيرات سياسيةً تخدم مصالح قوى هامة وذات وزن في الدولة والمجتمع، وهو ما يسمح به التوازن الدولي الجديد في المرحلة المقبلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 807