مواجهات «أم الحيران»: سؤال الوجود والتحدي

مواجهات «أم الحيران»: سؤال الوجود والتحدي

فتحت قرية «أم الحيران»، مجدداً، معركة الدفاع عن الوجود العربي الفلسطيني على أرض الوطن. إن دماء الشهيد، يعقوب أبو القيعان، قد أعادت تسليط الضوء على الإعدامات المتكررة بحق أصحاب وأبناء الأرض، خلال المواجهات المستمرة التي تشهدها الأراضي المحتلة منذ عام 1948، ناهيك، عن  القتل المستمر (الحرق أو الرصاص) ضد باقي أبناء الوطن في الأراضي المحتلة عام 1967.

إن تلك الدماء التي سالت من جسد الشهيد ومن عشرات الجرحى، ومن عذابات المطرودين من قراهم وبلداتهم، داخل وطنهم، جددت بقوةٍ، طرح سؤال الوجود: في مواجهة الطرد والشطب والتطهير والأسرلة/ الصهينة، وَكَيِّ الوعي، كيف يكون جواب التحدي والرد؟ من أجل حماية وجودنا فوق ترابنا الوطنيّ «نحن أصحاب الأرض الأصليين».

خلفية تاريخية موجزة
ما تتعرض له قرية «عتير- أم الحيران»، ليست حالةً استثنائيةً أو ردةَ فعلٍ، أقدمت عليها حكومة العدو. إنها سياسةٌ استعمارية/استيطانية، قائمة على محو الوجود العربي واستكمال عملية/نهج التطهير العرقي الذي قام عليه كيان الغزاة المستعمرين منذ عام 1948.
هذه القرية التي تدّعي حكومة العدو منذ عام 2004 بأنّ أهلها «ينتهكون حدود الدولة»، كانت قد أصدرت حينها، أوامرَ تطالب السكان، الذين لا يزيد عددهم عن الألف نسمة، بإخلاء بيوت القرية جميعها، كما هو حال 45 قريةً عربية أخرى، في جنوب الأراضي المحتلة- منطقة النقب التي تصل مساحتها لحوالي 980 ألف دونم- غير معترف بوجودها، من جانب سلطات الحكومة المستَعمِرة، بما يترتب على ذلك من انعدام البنى التحتية والخدمات الضرورية للحياة كلها.
لهذا، تتعرض هذه القرى والبلدات، لمحاولات دائمة للهدم، وصلت في قرية «العراقيب» لأكثر من 108 مرات حتى الآن، أمام إصرار أصحابها على البقاء فوق أرضهم وإصرارهم على إعادة البناء بعد كل محاولة لمسح مساكنهم المتواضعة، بالجرّافات. وعلى الرغم من تحريك دعاوى ضد المخططات الرسمية، للهدم لأكثر من عشر سنوات في المحاكم ، فإن 25 أمر إخلاء، و32 أمر هدم، و3 خرائط هيكلية، تهدف كلها لهدم القريةِ وتهجير سكانها، كما جاء في تقرير لمركز «عدالة» صدر مؤخراً، شاهداً على مهزلة «اللجوء للمحاكم». وتلك الاجراءات كلها تهدف لإقامة مستعمرة «حيران» على مساحة 3563 دونماً، تتضمن 2500 وحدة سكنية، ستقام على أراضي «عتير- أم الحيران».

تطور أشكال المواجهة : نوعاً وكماً

في مواجهة أوامر الهدم والطرد، والتهجير والتطهير، وأساليب القتل المباشر (الإعدام)، تحركت الجماهير في تظاهرات عارمة شهدتها العديد من المدن والبلدات العربية في الجزء المحتل عام 1948، وبدرجات أقل في الأراضي المحتلة عام 1967.
اللافت في تلك الاحتجاجات العارمة، التي انطلقت داخلَ الجزء المحتل عام 1948 كانت التظاهرة التي انطلقت من بلدة «عرعرة» في الجليل المحتل، يوم 21/ كانون الثاني الحالي، والتي عبّرت عن نهجين متعارضين، في الحركة الوطنية في الداخل. اتجاه، تقوده «لجنة المتابعة» و«القائمة المشتركة»، تحت شعارات «الاحتجاج السلمي والتوجه للقضاء، في الضغط من أجل وقف خطط الهدم»، والذي سار حسب الخطة المقررة إلى «المهرجان الخطابي» الذي عقد في حرش داخل منطقة نائية وبعيدة، لا تستطيع السيارات الوصول إليها بسهولة. واتجاه آخر، سارت فيه الأغلبية، عدة آلاف، ممن «أتخمتهم» الخطابات المعتادة، بذات اللغة، وبالمضمون ذاته «الاستجداء من الفاشيين»، قادته عناصرُ شبابيةٌ غاضبةٌ، أكملت تحركها في «شارع 65» باتجاه وادي عارة- خارج المسار المحدد الذي التزمت به «المتابعة والمشتركة»- الذين أغلقوه بوجه السيارات، مما أدى لاشتباكاتٍ عنيفةٍ مع قوى القمع الحكومية، حيث استخدموا -كعادتهم- الرصاص المطاطي والقنابل الغازية وسيارات رش المياه العادمة.
حَمَلَ هذا التحرك الغاضب ملامح جديدةً، من حيث: الفئة العمرية المشاركة «جيل الشباب»، ونوعية الشعارات التي رفعها، ضد المشاركة العربية بـ«الكنيست» التي توحي للعالم بـ«ديمقراطية» كاذبة، وضد الاتجاهات التي تعمل كلها، بوعي أو بدونه، على تجميل الوجه القبيح لسياسات الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ضد العرب. لقد حملت تلك المظاهرة، بعض مضامين وتوجهات الهَبَّة/ الحراك الشبابي، الذي شهدته القدس والضفة المحتلتان، خلال الخمسة عشر شهراً الفائتة.
لم يكن رفع سقف المطالب، التي طرحها الحراك الشبابي في مظاهرته الغاضبة مفاجئاً، لأنه كان الامتداد الطبيعي، لما حملته المظاهرات الكبيرة والصاخبة في يوم الأرض وهَبَّة أكتوبر، والتحركات الواسعة ضد هدم القرى العربية في النقب، بما حمله «قانون برافر» من صاعق تفجير لتلك التحركات الشعبية كلها.
وإذا كان الحديث عن استقالة النواب العرب من «الكنيست»، قد انتقل من المظاهرة إلى الحدث المباشر داخل الشارع العربي في الداخل، فإن صداه قد تردد داخل أحزاب وحركات «القائمة المشتركة»، التي خاضت الانتخابات الأخيرة لدخول «الكنيست». وهو ما ظهر في التباين بين نواب «التجمع» الذين يوافقون على الاستقالة أو تجميد عضويتهم، ونواب «الجبهة والحركة العربية للتغيير» الذين يرفضون «ترك الساحة للأحزاب الصهيونية»..!
خاتمة
تشهد الحياة السياسية داخل الجزء المحتل من الوطن عام 1948، خطين متعارضين في صفوف القوى السياسية والمجتمعية. وإذا كان دعاة «النضال البرلماني» يتمترسون خلف مواقفهم التي أصبحت في «حالة تشكيك» داخل التجمع العربي، فإن قوى جذريةً كـ«حركة أبناء البلد» و«حركة كفاح»، اللتين ترفضان الدخول في «المسرحية البرلمانية» قد بدأت تأثيراتهما الفكرية والسياسية والكفاحية تجد لها تواجداً ملحوظاً داخل الجيل الشاب. ويتردد صداها في قواعد وكوادر وقيادات، بعض القوى السياسية التقليدية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
795