التدخل وفق مفهوم الغرب: قتـل المدنيـيـن لحمايتهـم!

بعد عقود طويلة من التورط في بيع الأسلحة للديكتاتوريين في الشرق الأوسط، تصبح مطالب الغرب بضرورة التدخل الإنساني أقرب إلى الشعر، إن لم نقل إنها كلام أجوف فاقد للمعنى.

أصوات كثيرة علت مطالبة بالتدخل الأجنبي في سورية خوفاً من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، لكن أكثرها «حماسة» أتى من جهة اليمين الجمهوري الذي انضمّ إليه مؤخراً وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، واللافت أن هؤلاء أنفسهم من يقودون حملة ضارية لتشجيع الحرب على إيران. ونستحضر هنا ما قاله أحد أبرز وجوه المحافظين الجدد ومهندسي الحرب على العراق إليوت أبرامز عن أن «سورية تقدّم فرصة بديلة لـ«تسخين» الحرب الباردة مع طهران».
تغيير النظام والتأكد من أن رياح الربيع العربي ستثمر حكومات تخدم المصالح الغربية، كما تفعل السعودية، خطاب لا يمكن بيعه للشارع السوري، وبدلاً من ذلك، يتم في هذه الحالة تغليف التدخل العسكري في شعارات إنسانية، تضرب على وتر المعاناة الحقيقية التي يعيشها الشعب.
ولكننا.. كنا هناك من قبل. في ليبيا حيث تدخلنا لحماية المدنيين، فتضاعف عدد القتلى على أيدي قوات حلف شمال الأطلسي. والنتيجة لم تكن ديموقراطية وحقوق إنسان بأي شكل، وهو ما تثبته تقارير منظمة العفو الدولية عن عمليات التعذيب والقتل التي تمارسها الميليشيات الليبية التي سبق وطالبت بالتدخل الأجنبي. ومثل هذا الواقع، حصل قبل عقد من الزمن عندما تدخلت قوات «الناتو» في صربيا وكوسوفو. وكان من المفترض أن يكون تدخلاً لحماية الأرواح، فكان تدخلاً حصد آلاف الأرواح.
تلك الحرب أسقطت ورقة التين التي كانت تستر بها قوات الحلف عورة قراراتها، ومهدت الطريق لغزو واحتلال العراق، عن طريق الحرب الدائرة في أفغانستان. أكثر من ذلك، في العام 2001، قالوا لنا إن التفاوض مع «طالبان» مستحيل، فهم جماعة شيطانية تقتل شعبها، أما الآن، وبعد سقوط عشرات آلاف القتلى، لم تعد «طالبان» تلك الجماعة الشيطانية وبات «حلالاً» التفاوض معها في قطر. هناك حيث بات لدى «طالبان» مكتب رسمي لا يبعد كثيراً عن مقر للقيادة المركزية الأميركية.
في الواقع، ترك قرار الفيتو الروسي والصيني القادة الغربيين أمام احتمالات عدة لاستكشاف خيارات أخرى، غير النموذج الليبي، لتغيير النظام في سورية. لكن أياً منها لم يشمل خيار التسوية بين النظام والمعارضة، فيما يبدو تصعيداً للتوتر في منطقة الشرق الأوسط.
«الممرّات الإنسانية» التي اقترحها وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه تعني وجود قوات أجنبية على الأرض. أما ما تقترحه دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يظهر أنها منغمسة في حماية الشعب السوري، فيُظهر أنها ليست أكثر من دول تدعو لسورية ديموقراطية بينما تسحق المطالبين بالديموقراطية على أرضها.
وكانت التقارير أشارت إلى أن دول الخليج تعمل على دعم وتمويل أطياف من المعارضة السورية كما تسعى إلى توحيدها تحت قيادة تكون منسجمة مع توجهات الحلفاء الغربيين. في حين يقدّم هذا السخاء السعودي في سمّ هدفه تحريض السنة ضدّ الشيعة، وخاصة ضدّ إيران.
ما سبق لا يأتي في أي حال من الأحوال في سياق الدفاع عن الأسد وسياساته، ولكن الحلّ لا يكون بمزيد من التدخّل العسكري في الشرق الأوسط. التسليح البريطاني للبحرين استمرّ حتى خلال قمع التظاهرات، والولايات المتحدة ماضية في صفقة بيع طائرات حربية للسعودية بـ60 مليار دولار.
باختصار، إن شعوب المنطقة تكافح للتخلص من الديكتاتورية، كما للخروج من عقود سوداء وطويلة من التدخل الأجنبي. وعلينا أن نقوم بما في وسعنا لعدم زجّها في لعبة كبرى، الأرجح أن نهايتها حرب دموية أخرى.

(«الغارديان» ـ كيفن أوفندون)

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:27