هل سيعود الهدوء والاستقرار إلى بلد المليون شهيد؟

شهدت منطقة القبائل الجزائرية التي تقطنها أكثرية ساحقة من الأمازيغيين «البربر» اضطرابات شديدة في خلال الشهرين الماضيين، واجهتها السلطات بأعمال قمع دامية أسفرت عن مصرع 50 مواطناً و1200 جريح، ثم امتدت هذه الاضطرابات إلى العاصمة الجزائر، حيث جرت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن ومئات الألوف من المتظاهرين الذين قدموا إلى العاصمة من عشر ولايات، كما شارك في التظاهرات شخصيات سياسية من مختلف قوى المعارضة.

وقد حاول المتظاهرون الوصول إلى قصر الرئاسة للاحتجاج على «قمع» حركتهم وإدانة سياسة الاحتقار التي يعامل بها سكان منطقة القبائل.

وقد رفع الشبان شعارات عديدة منها «لا للديكتاتورية» و«لن نتسامح، لن نتسامح» وحمل بعضهم صور «رمز الانتفاضة» الشاب قرموح ماسينيسا الذي قتل في مخفر الدرك، وكان الشرارة التي اندلعت منها الحركة الاحتجاجية الكبرى هناك، وكذلك الفنان البربري «معطوب الوناس» الذي اغتيل في ظروف غامضة عام 1998، كما رفعت لافتات سوداء تطالب بـ» رحيل الدرك» و«جعل اللغة الأمازيغية لغة رسمية» وإنهاء سياسة «الاحتقار والتهميش» التي تتبعها السلطة حيال المواطنين الأمازيغيين.

هذه الأحداث الدامية أوقعت الرئيس بوتفليقة الأميركي الهوى في أخطر أزمة يواجهها منذ وصوله إلى السلطة في شهر نيسان 1999 بل أخذت تهدد سلطته الديكتاتورية المسنودة من الجيش والأمن، والمغلفة بغلالة رقيقة من الديمقراطية وعلى الرغم من أن الهدوء قد عاد إلى البلاد فإن النار لا تزال تحت الرماد.

أسباب الأزمة

لاشك أن المسألة الأمازيغية هي أحد الأسباب غير أن هناك أسباباً متعددة تتفاعل في البلاد إلى درجة أصبحت فيها الأمور تهدد بنسف السلطة كلها.

فالرئيس بوتفليقة وعد بعد انتخابه رئيساً للجمهورية بأنه سيعمل على إحلال السلام في البلاد، بعد الأزمة التي وقعت بين السلطة والإسلاميين عام 1992، وأوقعت أكثر من 100 ألف قتيل فأطلق سياسة «الوئام المدني» التي أتاحت العفو عن آلاف المسلحين الإسلاميين، إلا أن هذا القانون لم يفض إلى وقف العنف، فمازالت المجموعات المتطرفة تقترف الجرائم الشنيعة حيث سقط نحو 6000 قتيل منذ 24 شهراً حسب الإحصاءات الصحفية، ومازال الدم الجزائري البريء يسيل.

كما أن الرئيس بوتفليقة وعد بإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية الآخذة برقاب الشعب. فسياسة الخصخصة التي اتبعتها الحكومات السابقة لم تؤد إلا إلى ازدياد الفقر واستفحال البطالة وتعمق الركود الاقتصادي وارتفاع الأسعار وانتشار الفساد، ولقد تبين للناس أن وعوده كانت خلبية مما زاد في نقمة الجماهير الشعبية، وطفح الكيل عندها.

إن نفحة الأوكسجين التي تلقاها الاقتصاد الجزائري الناجمة عن ارتفاع عائدات النفط والغاز، وزيادات قياسية لاحتياطي سوق الصرف، لم تقض على الركود ولم تشجع المستثمرين الأجانب على العمل في الجزائر.

وقد لعبت الصحافة الجزائرية الخاصة دوراً كبيراً في تأجيج الرأي العام الشعبي واتهمت الرئيس بأنه يسعى إلى فرض نظام متسلط على البلاد بتعزيز العقوبات على الصحافة ورفع الغرامات المتعلقة بتهم التشهير قتلاً لكل الحريات في البلاد وأنها تشكل خطوة على طريق إرساء هذا النظام التسلطي.

كما أن الديمقراطية وسيادة القانون التي وعد بها الرئيس لم تكن إلا قشرة رقيقة سرعان ما مزقتها الأحداث وأن السلطة بعيدة عن الديمقراطية بعد الأرض عن السماء ولذا فقد كان أحد الشعارات التي رفعتها الجماهير الشعبية في المسيرة الكبرة في العاصمة هو «لا للديكتاتورية».

ويضاف إلى ذلك إصرار الأمازيغيين على نيل حقوقهم الديمقراطية وخاصة اعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. وعلى الرغم من أن الرئيس الجزائري سعى إلى تهدئة الأمور بتوجيه خطابين إلى الأمة في 30 نيسان و27 أيار الماضيين فإنه لم يتمكن من نزع فتيل الأزمة في منطقة القبائل، التي يقف وراءها شبان ينتفضون على وضعهم بدون زعيم يقودهم، أو حزب يوجههم، لأن أكبر حزبين في هذه المنطقة: التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة القوى الاشتراكية ليس لهما تأثير على الأحداث، فالتظاهرات الأكبر ضد قمع السلطة نظمت بالتنسيق بين لجان القرى وتجمعات تأسست على عجل في محاولة لتركيز المطالب، ولذلك لم يجد الرئيس محاوراً فعلياً يمكنه من بدء مفاوضات معه.

إن الانتفاضة الشعبية التي عمت البلاد عكست بوضوح مدى نقمة الشعب الجزائري الذي ضاق ذرعاً بالأزمة الاقتصادية التي تأخذ بخناقه دون أن يعمل أحد على إيجاد مخرج لها، وخاصة أن نسبة البطالة في منطقة القبائل تفوق معدلاتها على بقية مناطق البلاد والتي تصل رسمياً إلى 30%.

 

إذا لم تحل القضايا المتعددة وخصوصاً الاقتصادية فلن تجد الجزائر الاستقرار والهدوء وستبقى النار تحت الرماد وستطفو على السطح من جديد وليمتد لهيبها إلى كل مكان وخاصة إلى السلطة التي أرعبتها الأحداث وهددت بإنزال الجيش إلى الشوارع!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
153