بيونغ يانغ تنتصر «للشرق» وسيؤول تستقوي بواشنطن

بددت كوريا الديمقراطية أوهام كل القائلين باستسلامها ورضوخها لمشيئة «اليانكي» الأمريكي، حتى ولو بدل لون بشرته، معلنة سلسلة من الإجراءات والتجارب العسكرية التي تثبت حضورها الإقليمي والدولي واستعدادها للدفاع عن نفسها بقوة الردع النووي وأنها لن تكون «سقط متاع» في لعبة التجاذبات والتناقضات العالمية في وقت تعمل فيه واشنطن وحلفاؤها، المأزومون على أكثر من صعيد، على خلط أوراق التوتر، لتفجيره في أماكن جديدة، فتأتي بيونغ يانغ «لتنزع الطبخة الأمريكية»!   

عدد الصواريخ التي أطلقتها كوريا الديمقراطية بلغ ثمانية خلال أسبوع، منها ثلاثة يوم الأربعاء فقط، وحظرت الملاحة البحرية قبالة سواحلها الغربية، ما أعطى الانطباع بأنها تستعد لإطلاق المزيد من الصواريخ، مع تأكيد مسؤول عسكري في المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح بين الكوريتين أن بلاده لم تعد تضمن سلامة الملاحة البحرية قبالة هذه السواحل، وسط أنباء أشارت إلى استئناف بيونغ يانغ العمل فعلياً في مجمع يونغبيون النووي حيث يتم تطوير برنامج نووي لأغراض عسكرية بالاعتماد على فصل ومعالجة البلوتونيوم..
وعلى خلفية إعلان كوريا الجنوبية الثلاثاء انضمامها للمناورات البحرية التي ستجريها الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة في إطار ما يسمى بالمبادرة الأمنية لمنع انتشار الأسلحة النووية التي تتضمن وقف واعتراض السفن التجارية التي يشتبه في نقلها مواد أو عناصر تدخل في إطار صناعة السلاح النووي، أعلن بيان عسكري شمالي أن «الجيش الكوري الديمقراطي لم يعد ملتزماً ببنود اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1953» التي أنهت الحرب الكورية، معتبراً خطوة سيؤول «دفعاً للمنطقة إلى حالة حرب».
وأضاف البيان أن أية تصرفات عدوانية أياً كان حجمها ضد كوريا الديمقراطية بما فيها اعتراض وتفتيش سفنها سيواجه برد عسكري فوري وقاس، محملاً «الرئيس الكوري الجنوبي الخائن لي ميونغ باك وحكومته الدمية والإمبرياليين الأميركيين مسؤولية دفع المنطقة إلى حالة حرب»، ومحذراً «الساعين لاستفزاز كوريا الديمقراطية من أنهم سيواجهون عقاباً قاسياً يفوق التصور».
كما أكد أن تحركات الولايات المتحدة الأخيرة لتغيير مواقع طائراتها المقاتلة دليلاً على عدم تغيير السياسة الأميركية المعادية لكوريا الديمقراطية حتى في عهد أوباما.
تفيد الأنباء أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي سارعت لطمأنة سيؤول وطوكيو متعهدة بدعمهما، تعكف على «تشكيل جبهة دولية تتخذ رداً موحداً على التجربة النووية التي أجرتها كوريا الديمقراطية وقوبلت بانتقادات حادة باعتبارها تهديداً خطيرا للاستقرار الإقليمي وانتهاكاً صريحاً للعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على الدولة الشيوعية»، وتتضمن هذه الجبهة كلاً من روسيا والصين اللتين سارعتا فعلياً لاعتماد نبرة لفظية مشددة تجاه بيونغ يانغ من خلال التصريحات المختلفة والبيان الذي أصدره مجلس الأمن «تنديداً» بالتجربة النووية الكورية الديمقراطية، ولكن مع تسريبات مصادر دبلوماسية من المجلس أن إصدار قرار «يتطلب مزيداً من المشاورات»!
وهنا مربط الفرس فيما يبدو! لأن السؤال الأساسي هو: إلى أي حد ستحول بكين وموسكو وحتى طوكيو الإدانات اللفظية إلى إجراءات عملية قد تتضمن أبعاداً ردعية عسكرية، تحت ضغط واشنطن؟ وهل واشنطن أصلاً تريد ذلك مع كوريا الديمقراطية وقادرة عليه؟
المراكز الامبريالية وتوابعها، بقيادة واشنطن، تريد تفجير الوضع في باكستان والقفقاس وحتى إيران، لتضاف إلى بؤر التوتر والصراع في الشرق الأوسط بما فيه فلسطين ولبنان والعراق وحتى أفغانستان، أي تفجير منطقة «الشرق العظيم» برمتها حتى تخوم أوربا، أو مجمل منطقة أوراسيا، وروسيا في صلبها، فتأتي كوريا الديمقراطية من قلب ذاك الشرق وتلوح بترتيب آخر للأوراق ضمن رسالة واضحة تقول: لن نقبل بأقل من التعامل بالند، ووقف الاستفزاز والترهيب، وإجراء المناورات وإقامة القواعد العسكرية المتقدمة لكم، والتوقف عن إطلاق المواقف العدائية والتهديد بوقف المعونات الغذائية وإبقاء الحصار، وإذا هددتم مصالحنا الجيوسياسية سنفرض إعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية بقوة السلاح، ونستنزف قواكم بحيث لا تستطيعون تفجير بؤر توتر جديدة وضرب بلدان أخرى في هذا الشرق، وأنتم المثقلون أصلاً بشن حربين لم تكسبا أياً منهما في أفغانستان والعراق!      
وكانت بيونغ يانغ أعلنت في وقت سابق أنها أجرت وبنجاح تفجيراً نووياً تحت الأرض في إطار الإجراءات التي تتخذها لتعزيز «قدرتها للردع النووي دفاعاً عن نفسها»، في حين أعلنت مراكز الرصد الجيولوجي في الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية تسجيلها هزة اصطناعية بقوة 4.7 درجات على مقياس ريختر وقعت في منطقة كيجلو شمال مدينة كيمتشاك، وهي نفس المنطقة التي أجرت فيها كوريا الديمقراطية أول تجربة نووية لها قبل ثلاث سنوات. أما هيئة السلامة النووية والصناعية اليابانية فقد أكدت أن أجهزة المراقبة المنتشرة حول المنشآت النووية شمال البلاد لم ترصد أي تزايد في معدل الإشعاع النووي.
وبين تدهور أسواق المال في سيؤول نتيجة الوضع الجديد، ودائماً على خلفية الأزمة العامة حالياً، وبين العقوبات الدولية التي لا تزال مفروضة على بيونغ يانغ مع التلويح بتشديدها، يبقى أي احتمال لعودة كوريا الديمقراطية إلى طاولة المفاوضات السداسية التي ترعاها بكين منطلقاً من موقع القوة بعد كسب سنتين ونيف من الوقت لتخفيف الضغط واستئناف الضغط المقاوم المعاكس على مراكز القرار الدولي.
(راجع المقالات في موقع قاسيون: «بيونغ يانغ ولغز كسب الوقت»، و«كوريا الشمالية ببرنامجها النووي تتحدى واشنطن ..إغضاب الاستعمار أسهل من إرضائه!»).

معلومات إضافية

العدد رقم:
406