هل تؤجر تركيا أراضيها الحدودية مع سورية لإسرائيل؟

تحولت مسألة تنظيف الأراضي التركية المحاذية لسورية من الألغام، إلى سجال داخلي اتخذ طابعاً سياسياً حاداً. وكانت شرارة السجال كلام رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان أمام نواب حزب العدالة والتنمية السبت (23/5/2009)، حين انتقد الدعوات الداخلية لعدم تلزيم تنظيف الألغام لشركة إسرائيلية كان الكلام يدور حولها منذ فترة طويلة. وينص الاتفاق على أن تنظف الشركة، التي ستتسلم المشروع، الأرض مجاناً مقابل حق استثمارها في مشاريع زراعات عضوية لمدة تبدأ بـ44 سنة وقد تصل إلى 99 سنة.

أردوغان انتقد الداعين لاستبعاد هذه الشركة أو تلك لأن «المال لا دين له ولا أمة ولا عرق. فهنا سيكون استثمار. لن يعمل هنا اسحق بل حسن. الذين سيعملون هنا هم محمد واحمد وعائشة وفاطمة. وعندما ينتهون من عملهم هل سيفككون المصانع ويأخذونها معهم؟».
وانتقد أردوغان «هذه الذهنية المستمرة منذ عقود» والتي تشيع أن تركيا تضيع من اليد وتذهب إلى هذا الدين أو ذاك العرق، متسائلاً «أي محظور في إعطاء ذلك للإسرائيليين؟ فقط الفاشيون يقفون ضد ذلك». وقال «إن مجتمعاً وبلداً لا يثق بإيمانه لا يمكن أن يناقش في حرية المعتقد. أما إذا كان يثق بنفسه فيجب أن يطمئن. وجمهورية تركيا ليست بلداً صوصاً».
مساحة الأراضي المقدر استثمارها والمزروعة بالألغام تقارب 216 ألف دونم. نور الدين جانيكلي، رئيس كتلة حزب العدالة والتنمية البرلمانية، يقول إن تركيا لا قدرة لها، فنية ومادية، على نزع الألغام، لذا يجب تلزيم ذلك لشركات أجنبية.
لكن أصواتاً ارتفعت ترفض المنطق الذي يقول به أردوغان على اعتبار أن تلزيم شركة إسرائيلية تنظيف الحدود مع سورية هو مسألة سياسية بالدرجة الأولى. ورفضت هذه الأصوات اعتبار أن شعار «الموت للأرمن» أو «فليخرج اليونانيون من هنا» هو شعار اثني يعادل رفض إعطاء الإسرائيليين مهمة تنظيف الألغام. فالشعاران الأولان عنصريان بامتياز لكن رفض التلزيم للإسرائيليين سياسي بامتياز، وليس عرقيا أو أثنياً.

يقول حاقان البيرق، في صحيفة «يني شفق»، إن المساواة بين هذه الشعارات غير سليم. فإذا كان انتقاد إسرائيل عملا عنصرياً فأردوغان نفسه هاجمها في منتدى دافوس، لذا فالمسألة سياسية، والكل يعلم أن العاملين الإسرائيليين في تنظيف الألغام سيكونون عملاء للموساد.
ويضيف البيرق أن القول إن الجيش التركي لا يمكن أن يتحمل كلفة التنظيف هو أمر لا يمكن القبول به وتحمله. ويقترح الكاتب تكليف سورية تنظيف الألغام ما دام أردوغان يقول إن «سورية نظفت ألغامها فلنقم نحن بتنظيف ألغامنا».
المحافظ السابق لمحافظة كيليسيه أصلان كوتكتشي يقول إنه يوجد 638 ألف لغم، وكانت الكلفة المقدرة لتنظيفها عام 1995 هي 875 مليون دولار، لكن شركات ألمانية قدمت أسعاراً مخفضة جداً، لكنهم لم يقبلوا وأصروا على شركات إسرائيلية وبأرقام خيالية. واليوم الهدف هو تنظيف الألغام مقابل تأجير هذه الأراضي والاستثمار فيها بمشاريع زراعية لمدة تبدأ بـ44 سنة وقد تصل إلى 99 سنة.
ودخل الرئيس التركي عبد الله غول على خط السجالات بالدفاع عن الدولة التركية التي لا يمكن أن تتخذ إجراءات تتعارض والمصالح الوطنية التركية. وقال إن «هذا الموضوع ليس جديداً، وقد طرح عندما كنت رئيساً للحكومة عام 2002، وقد كلّف الجيش بمهام بتّ هذا الموضوع. وقد تبين أن كلفة التنظيف أكثر بـ15 مرة من المتوقع، ثم تبين أن الجيش لا يملك إمكانيات القيام بهذا العمل. وسيأخذ ذلك وقتاً طويلاً إذا اعتمدت تركيا على إمكاناتها الذاتية، فنزع الألغام من أصعب الأمور في العالم». وذكّر غول بأن تركيا ستستفيد من استثمار هذه الأراضي في الزراعة والمصانع وإقامة السدود، وستعود بالخير على المصلحة التركية. ودعا إلى الابتعاد عن الاتهامات الثقيلة المتبادلة.
ومهما يكن فإن كلام أردوغان الأخير يحمل مخاطر جمة، قد تعرض العلاقات التركية السورية للتوتر، لأن المسألة ليست تقنية بل تتعلق بالأمن القومي ليس لتركيا فقط بل لسورية أيضا. ولا يعرف من أين انبثقت هذه الفكرة التي لا يمكن التساهل فيها مهما كانت مبررات إعطاء عملية التلزيم لشركة إسرائيلية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
407