القاهرة- الرياض: مفترق طرق تفرضه المرحلة

القاهرة- الرياض: مفترق طرق تفرضه المرحلة

بعد وقف شركة «أرامكو» النفطية السعودية شحنات النفط المتفق عليها مع مصر، ظهرت التقارير الصحفية حول بدايات توتر العلاقات المصرية- السعودية، وتتالت بعدها الإشارات عن خلاف حقيقي بين الجانبين. والسؤال: هل كانت أزمة «شحنات أرامكو النفطية» هي المحرك الرئيسي لهذا التوتر، أم أنها القشة التي قصمت ظهر البعير؟

 

وقف شحنات «أرامكو»، ردته الصحافة في حينها، إلى تصويت مصر في مجلس الأمن الدولي، لصالح قرار روسي بشأن الأزمة السورية، وفي هذا جانب ضئيل من الصحة، وهذا الموقف المصري لا يمكن أن يكون وحده مثار غضب ورد فعل سعودي، على ما كان ينتظره من الجانب المصري..

منطق الابتزاز السعودي

تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي، وما تبعه من رد فعل سعودي، هو من بين الفصول الأخيرة لرواية العلاقات السعودية- المصرية «الاستراتيجية» كما كان يصفها الجانبان، أي أن اتساع الشرخ في العلاقات بدأ يظهر، محكوماً بالظروف المحيطة بالجانبين على حد سواء، داخلياً وخارجياً.

ففي المرحلة التي تطورت فيها العلاقات بين الجانبين، بعد موجة الحراك الشعبي المصري الثانية، في تموز 2013، كانت الحسابات السعودية قائمة في الدرجة الأولى، على الاستفادة من وزن مصر الإقليمي المهم في المنطقة، وربما في دور موكل من الخارج، لاحتواء الخروج المصري جزئياً من تحت العباءة الأمريكية، باتجاه شبكة علاقات واسعة أهمها تطوير العلاقات المصرية-الروسية، عسكرياً واقتصادياً، ومؤخراً التنسيق السياسي فيما يخص الأزمة السورية.

هذه الاستفادة من وجهة النظر السعودية، إلى جانب الاحتواء لدور مصر في علاقاتها الخارجية، هو ضمان حضور سعودي أقوى في الملفات العالقة إقليمياً، كالأزمة السورية، والليبية، واليمنية، التي لمصر دور كبير في مساراتها، إضافة إلى ضبط الخلاف المصري-التركي، على أن تكون في لحظة ما، أي السعودية، عرابة التطبيع المفترض بين الجانبين.

في هذا السياق، قبلت مصر الدخول في لعبة ترتيب الأوراق الإقليمية، لكن ضمن حدود لا تضع مصر إلى جوار السعودية تماماً، من حيث الموقف السياسي، فعلى سبيل المثال، وفيما يخص الأزمة اليمنية: قبلت مصر الدخول في «التحالف العربي»، لكن مستوى مشاركتها، مقارنة بمشاركة الإمارات والسودان من الناحية العسكرية يكاد لا يذكر، وحتى من ناحية المتابعة السياسية للأزمة اليمنية، ظلت المنابر الرسمية بعيدة إلى هذا الحد أو ذاك، عن إلقاء التصريحات بخصوص تطورات الأحداث هناك، كما تفعل السعودية والإمارات، حتى أن المتابع للإعلام المصري، يستشف اقتصاره في الجانب الأكبر من تغطية الأزمة اليمنية على الجانب الإخباري.

وكذلك في ليبيا التي للسعودية والخليج عموماً دور بدا واضحاً فيها، تتعاطى مصر مع الأزمة هناك انطلاقاً من ضرورات أمنها الإقليمي دون مواربة.

مفترق طرق

من هنا، يمكن القول أن السعودية التي تدرك ابتعاد مصر عن الالتصاق بالمواقف السياسية للسعودية، وهذا قرار دولة، وكل ما تعمل عليه السعودية هو «تليين» المواقف المصرية إقليمياً قدر المستطاع، لكن على ماذا اعتمدت السعودية في مراهنتها على مواقف مصرية متناسبة مع توجهاتها الإقليمية، وما الذي تغير في الآونة الأخيرة؟

اعتمدت السعودية في التزامها الدعم المصري مقابل الدعم البسيط سياسياً لمواقفها، على رهان التغيرات الإقليمية اللاحقة، والتي جاءت عكس الحسابات السعودية، أي أن الاندفاع السعودي سياسياً وعسكرياً في ملفات سورية واليمن، لو أنه جاء بثماره للسعودية، ومال ميزان القوى نحو حضور سعودي أكبر في ملفات المنطقة، فإن مصر بالضرورة ستصير مقيدة بخيارات حركة إقليمية مضبوطة سعودياً، وبالمحصلة أمريكياً.

وبالتالي فإن «الصبر» السعودي على المواقف المصرية، كان مربوطاً بالتقدم السعودي على أكثر من جبهة، وهو ما أصبح بعيداً أكثر من أي وقت مضى عن التحقيق، وهنا يبرز التساؤل هل نفذ «الصبر» السعودي هذا؟

السعودية لم تعد قادرة على تحمل التكاليف

إلى حد بعيد يمكن قول هذا، مشفوعاً بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسعودية، فطبقاً لبيانات وزارة المالية المصرية، أودعت المملكة بداية آذار من العام 2014، ملياري دولار لدى البنك المركزي المصري، إضافة إلى منح عينية قدمتها لمصر، تقدر بمليار و600 مليون دولار، وبحسب تصريحات الوزارة، فإن الودائع البنكية يتم ردها، على عكس المنح المالية والعينية التي تتضارب الأرقام حولها، لكنها وصلت اليوم بحسب بعض التقارير إلى 7 مليارات دولار.

لو استمرت هذه الأرقام كانت لتشكل أعباء مالية إضافية، مردودها السياسي ليس بمستوى الطموح السعودي، كما حصل في مجلس الأمن بعد التصويت المصري لصالح مشروع القرار الروسي، الذي كان بالفعل «القشة التي قصمت ظهر البعير».

محاولات رأب الصدع

مصر التي رأت فجاجة الابتزاز السعودي بعد وقف شحنات «أرامكو» النفطية دون مبرر، قابلته بالبحث الفوري عن بدائل تعينها في الجانب الاقتصادي، ومن بينها البحث سريعاً عن بدائل لإمدادات الطاقة من السوق العالمية، وكان آخرها اتفاق مع الكويت على إمدادات تبلغ 2 مليون برميل نفط خام شهرياً، على أن يجدد العقد بعد موافقة مجلس الوزراء الكويتي، مع العلم أن الاتفاق قائم منذ 10 سنوات ويتم تجديده الآن بالشروط ذاتها بين البلدين.

ومن الناحية المالية، توجهت مصر إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، حصلت على الشريحة الأولى منه، وبغض النظر عن الموقف من هذا الخيار وتبعاته، فإنه بالمعنى السياسي رسالة للسعودية مفادها أن «البدائل موجودة»، ولن نرضخ للابتزاز الاقتصادي.

الأزمة بين البلدين، والتي تخيف السعودية بشكل أكبر في ظل هاجس بناء تحالف إقليمي جديد في المنطقة، تجهيزاً للخروج الأمريكي منها، تحاول السعودية تداركها بدفع وساطات تعيد البعض من المياه إلى مجاريها، وفي هذا السياق، وبحسب صحيفة «الرأي» الكويتية، فإن مصادر مصرية قالت في 13 تشرين الثاني: أن دولاً خليجية تحاول رأب الصدع في العلاقات بين القاهرة والرياض، وتشير الصحيفة إلى أن محاولات التوسط لرأب الصدع، بدأت باتصالات أجراها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، قبل أسابيع، أعقبتها زيارة قام بها إلى السعودية.

وتضيف الصحيفة أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، تلقى خلال الأيام الماضية اتصالات من نظرائه في الكويت والإمارات والبحرين، من أجل العمل على تهيئة المناخ لإزالة رواسب تشوب العلاقات المصرية- السعودية.

وهنا، من المرجح أن تتحسن الأجواء بين البلدين، لكن من الناحية الاستراتيجية فإن قدرتهما على التنسيق المشترك وصلت في الأشهر الأخيرة إلى ذروتها، وستعود غالباً إلى مستويات أقل هي أكثر جدوى بالنسبة لتوجهات مصر الحالية، ومكلفة للسعودية من الناحية السياسية، وحتى الاقتصادية.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
787