تركيبة مجلس «وكلاء الطوائف» في لبنان.. «تفجير» أم «مقاومة»؟

بالتزامن مع تاريخ صدور هذا العدد، السبت السابع من حزيران، يتوجه الناخبون اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس نيابي «جديد»، يحددون افتراضاً، من خلال تركيبته، خياراتهم، عبر مبدأ «الأكثرية المناطقية»، بين فريقين ونهجين ومشروعين سياسيين سائدين في بلدهم يتمثلان بشكل رئيسي فيما يعرف بفريقي 8 آذار، و14 آذار، مع كل ما تعنيه كلمة «مشروع» من ارتباطات داخلية وتشابكات إقليمية ودولية، يغيب عنها الطبقي الاجتماعي لمصلحة السياسي الاستراتيجي، المسقط ببعده الطائفي على لبنان.

ومع تشابك لوحة الطوائف والمرشحين والمناطق والقوائم، (التي خرج عنها بتمايز لافت إلى قوائم مستقلة كل من الحزب الشيوعي وحركة الشعب)، ورغم استباق كل فريق على الآخر بإعلان الفوز وأحقيته به، تبقى الاحتمالات مفتوحة بخصوص ترجيح النتائج، ليس فقط بسبب «بورصة» الأصوات لدى شرائح الطبقة السياسية السائدة، وإنما لأن «القاعدة في اللعبة الانتخابية» ربما تنطبق على لبنان أكثر من غيره، وهي «ليس مهماً من يصوّت، وإنما من يعدّ الأصوات»، والعدادات هنا وفي عام 2009 هي بالدرجة الأهم، إقليمية ودولية، ربما تريد إبقاء الوضع على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب» ضمن «منطق التهدئة» المروج له بقوة في المنطقة، لإبقاء المعركة دون حسم، تحت يافطة «التوافق والوحدة الوطنية وعدم إلغاء الآخر» المألوف طرحها وترديدها في لبنان، على أن تبقى الغاية في نهاية المطاف، وفي ظل انعدام الرغبة والإرادة السياسية، هي إعادة إنتاج النظام الطائفي، وإعادة تفريخ «مجلس وكلاء الطوائف»، على اعتبار أن الانتخابات في لبنان الطائف، هي انتخابات ذات طابع طائفي وليس وطنياً.
في كل الأحوال، لا يبتغي هذا التوصيف للظاهرة اللبنانية وضع إشارة مساواة بين الفريقين/ المشروعين، اللذين يختلفان جذرياً في الرؤية والتكتيك والإستراتيجية، رغم كل الإدعاءات البروتوكولية من كبار المسؤولين فيهما والممثلين عنهما، بوجود «نقاط اتفاق أكثر من نقاط الخلاف بينهما».

في سير تحضيرات الانتخابات الحالية، كما في ما سبقها وما سيليها، اعتمد فريق المعارضة،
( 8 آذار)، على أسلوب التعبئة السياسية الفكرية التوضيحية لخطورة ارتباطات الفريق الآخر على حاضر لبنان ومستقبله، في حين اعتمد هذا الآخر (14 آذار) على التعبئة المضادة المستندة بشكل رئيسي كما في سابقاتها إلى أسلوب «ضخ المال السياسي الانتخابي» وتزكية النوازع شبه الشوفينية مثل: لبنان أولاً..
الفريق الأول، وأيضاً على سبيل المثال، يتمسك ببحث وتثبيت «الإستراتيجية الدفاعية» للإبقاء على سلاح المقاومة التي حمت لبنان والتي تثبت قدرتها على ذلك مع استمرار الانتهاكات والتهديدات الصهيونية المستمرة، في حين يعتمد الفريق الآخر «إستراتيجية» استرجاع مزارع شبعا «بالطرق السلمية» من أجل استخدام ذلك ذريعة لسحب ذاك السلاح.
الفريق الأول تصب في مصلحته قضية التكشف المتتالي، على يد مخابرات الجيش اللبناني، لشبكات التجسس لمصلحة الكيان الصهيوني، واعترافات عملائها بأن مهمتهم الرئيسية هي استهداف المقاومة، في حين أن قيام فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي المحسوب على تيار «السلطة» بضبط بعض الشبكات بما فيها أشخاص من تيار المستقبل، هو الآخر يشكل دعاية مبطنة لصالح هذا التيار.
هذه «الخطوة بخطوة»، أو هذا التباين في قراءة وتوظيف القضايا ذاتها بين الطرفين وقواعدهما، ينسحب على قضايا مماثلة ذات بعد إقليمي أو دولي، مثل ذاك التفجير الإعلامي المشبوه في توقيته انتخابياً بخصوص «الكشف عن عملية لحزب الله في أذربيجان تستهدف مصالح إسرائيلية رداً على اغتيال الحاج مغنية»، وما قابلها، ربما مصادفة، من ضبط جاسوس مصري في جنوب لبنان يعمل لصالح العدو.
ووسط الحديث عن احتمالات تحول «كتلة الرئيس اللبناني» عملياً إلى «الثلث الضامن» أو «المعطل»، وفي ظل انعدام العدالة في قانون النسبية المناطقية المعتمد، والذي يحتاج بموجبه النائب عن حزب الله مثلاً إلى عشرات الآلاف من الأصوات للحصول على معقد نيابي، في حين يكفي مرشح الموالاة عُشر هذه الأصوات فقط، تقول أكثر التوقعات تفاؤلاً إن المعارضة ستحصل في حال فوزها بكل المناطق والقوائم دون خرق أو شطب على  72 مقعداً من أصل 128، (أي ما يكفيها دستورياً لتشكيل حكومة تثبت وجه لبنان العروبي المقاوم، وتعيد النظر على الأقل وكما هو مأمول بالقوانين الانتخابية المجحفة وغير الوطنية، بمعنى طائفيتها)، أو كحد أدنى على 62 مقعداً (أي ما يبقيها دون النصف زائداً واحداً بقليل، أي الدفع «موضوعياً» مرة أخرى نحو «حكومة توافق»).
وبين هذا الحد وذاك، ولحين فرز النتائج، تبقى الورقة الأضخم في صندوق الاقتراع اللبناني هي الأجواء الإقليمية والدولية التي تجري في ظلها الانتخابات، ضغطاً على الناخب اللبناني:
أوباما على بعد «فشخة رجل» يجول في السعودية ومصر وأوربا، قادة الكيان يجرون أكبر مناوراتهم العسكرية ويطلقون التهديدات المعنوية والنفسية، وحتى يعربون صراحة عن تخوفهم من فوز المعارضة، ازدياد الحشود، والحشود المضادة في المنطقة، بالتوازي مع نشر المزيد من القواعد العسكرية الغربية في أرجائها، وكل ذلك مع حديث عن توجه المبعوث الأمريكي جورج ميتشل للمنطقة، ليتفقد، من ضمن ما سيتفقده، نتائج الانتخابات اللبنانية، بعدما حاول تحديد مسارها «الديمقراطي ضد المعارضة» نائب الرئيس جون بايدن.
وعليه بالمختصر المفيد، فإن فوز الموالاة في انتخابات مجلس وكلاء الطوائف «على علاته» يعني بقاء لبنان مقراً وممراً لتفجير الوضع فيه، وفي المنطقة بالتالي، في حين أن فوز المعارضة يعني أن هذا التفجير هو مجرد تهويل لا أكثر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
407