أحداث شينيانغ.. صورة «طبقية- سياسية»
يشير ارتفاع وتيرة الصراعات بين «الهان» وغيرها من المجموعات العرقية في الصين إلى أن السياسة التي يعتمدها الحزب الشيوعي الصيني تجاه الأقليات العرقية قد فقدت فاعليتها في الحفاظ على تناغم العلاقات بين الشعوب المكونة للمجتمع الصيني.
طيلة السنوات الستين الماضية كان الهدف المعلن لسياسة الحزب الشيوعي الصيني يتمثل في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتأمين استقرار المجتمع.
وتعتبر الحكومة الشيوعية المجموعات العرقية، كافة، صينية الهوية، ولكنها تشجع هذه المجموعات، ولاسيما الأقليات منها، على احترام وتنمية ثقافاتها التقليدية. ووصلت الحكومة إلى حد مساعدة الأقليات التي تمتلك لغات محكية فقط في أن تؤسس منظوماتها الكتابية.
في واقع الحال، فإن الفكرة القائلة بأن كل شعوب الصين تنتمي «للأسرة الصينية العظمى» ليست من ابتكار الشيوعيين، حيث ظهر هذا الموقف مع الأب المؤسس للصين الحديثة، د. سون يات- سين، ودعمه في ذلك مفكرو التنوير الصينيون الأوائل من أمثال «ليانغ شيشاو»، و«هو شيه».
إبان حكم الرئيس ماوتسي تونغ، فرضت عقيدته حول الصراع الطبقي نفسها على السياسة المتبعة بخصوص الأعراق والقوميات، والتي على أساسها يتشارك الهان وغير الهان الهوية ذاتها، أي العمل الاشتراكي.
وكان يعني مصطلح «العمل» حسب هذا الفهم أنهم أيضاً مالكو البلد، دستورياً وعقائدياً، في حين أن الرأسماليين، وملاّك الأراضي والأقنان وغيرهم من «المستغِلين»، بغض النظر عن أصولهم العرقية، هم الأعداء.
وتمكنت سياسة (ماو) هذه من أن تتجاوز بنجاح كل التباينات العرقية، وقامت بصياغة هوية مشتركة لكل الشغيلة، مثلما استطاعت، إلى حد ما، توحيد كل المجموعات العرقية في خندق «النضال الطبقي» ضد «عناصر القمع والاستغلال». ولكنها أيضاً جعلت من النخب السابقة لدى الأقليات العرقية أعداءً ألداء للحزب الشيوعي الصيني.
أما فقراء الجماعات العرقية في الصين فقد دعموا إلى حد كبير حكومة الحزب الشيوعي الصيني وقبلوا بهويتهم الاشتراكية الجديدة. وأصبح الهان وغيرهم متساوين اقتصادياً وسياسياً، وطغت فكرة «الطبقة» تدريجياً على فكرة «الانتماء العرقي»، حيث تمكن مفهوم الطبقة الواحدة، الذي ساوى بين أبنائها جميعاً، بغض النظر عن أصولهم العرقية، من تجاوز فكرة الهوية العرقية وإحباط الصراع العرقي.
ولكن ما إن تم دفع عقيدة الصراع الطبقي في الممارسة إلى حدها الأقصى، ولاسيما إبان «الثورة الثقافية» بين عامي 1966-1976، حتى وفر ذلك لقوات «الحرس الأحمر»، التي تتشكل على نحو رئيسي من أبناء الهان، الأرضية للانقضاض، باسم الثورة، على الإرث الثقافي والتاريخي الصيني، بمنابعه وأصوله، سواء من الهان أم من غيرهم من المجموعات العرقية.
غير أن هذه الهجمات ألحقت أذى بالغاً بمشاعر الأقليات القومية، ما دفع بالحكومة الصينية في أعقاب «الثورة الثقافية»، ومن باب التعويض فيما يبدو، إلى أن تبدأ بمنح أبناء هذه الأقليات بعضاً من الامتيازات وأوجه المعاملة التفضيلية.
وعلى سبيل المثال، فإن سياسة الطفل الواحد الصارمة لا تنطبق إلا على عائلات الهان، ما يعني بالتالي انخفاض معدل الولادات والتناسب السكاني لديهم بالمقارنة مع غيرهم من المجموعات القومية، التي يحصل أبناء الأقليات منها على امتيازات التوظيف وفرص التعليم.
وبغية تعزيز ارتفاع نسب النمو الاقتصادي عملت الحكومة خلال السنوات الأخيرة على ضخ المزيد من الأموال والاستثمارات في المناطق التي تشغلها الأقليات العرقية الأخرى.
وكان من شأن ذلك بمجمله أن يثير حفيظة الهان تجاه ما اعتبروه تمييزاً بحقهم. وفي أعقاب الشجار الذي جرى في شاوغوان قام الأمين الحزبي في إقليم غوانغدونغ بزيارة وعيادة العمال المصابين من أبناء اليوغور، ولكنه حسب الرواية، تجاهل نظراءهم من الهان، الأمر الذي أغضب هؤلاء، وزاد من شكوكهم حيال سياسة الحكومة (القومية).
وحتى في الوقت الذي يتذمر فيه أبناء المجموعات العرقية، مثل اليوغوريين، من الاستغلال والتمييز الذي يتعرضون له على يد الهان، فإن العديد من أبناء هؤلاء يتهمون الحكومة بإتباع الممارسات ذاتها معهم.
ومع تقدم الاقتصاد الصيني يجري تقويض المساواة السياسية والاقتصادية بين الهان وغير الهان. كما تتسع فجوة الثروة بين الهان، الذين يعيشون عموماً في المناطق الغنية، وتلك الأقليات العرقية، التي تقطن مناطق أكثر فقراً، نسبياً، إذ أن انعدام المساواة اقتصادياً فيما بين مختلف المناطق تعد هي الأخرى حالة خلافية فيما بين أبناء الهان وغيرهم. وصحيح أن حالة غياب التوازن في التنمية الاقتصادية تعود إلى عوامل عديدة، إلا أنه من السهل بالنسبة للأقليات أن تشعر باستغلال الهان لها.
وفي ظل اضمحلال تأثير الماركسية بوصفها الإيديولوجية السائدة في الصين، يخبو كذلك الإحساس بالمساواة السياسية.
فاليوم لا يجري النظر «للشعب الواحد» بوصفهم الملاّك الفعليين للبلد، ولم يعد الشغيلة أبناء طبقة محترمة. وفي المقابل أصبح الرأسماليون «ضيوف الشرف» المفضلين لدى الحكومة.
في الصين اليوم، انهارت المساواة السياسية المستندة إلى المساواة الطبقية، التي كانت تشكل فكرتها طيلة العقود الستة الماضية الأساس الذي تمكن من خلاله الشعب الواحد، بما فيه الأقليات، من المحافظة على هوية الانتماء للمجتمع السياسي الصيني.
أما اليوم، فإن التهميش الاقتصادي والسياسي للأقليات العرقية يقوض أساس انتماء بعضها للهوية الصينية الواحدة. وفي الوقت ذاته فإن هذا التهميش يجري فهمه على نحو خاطئ، وإلى حد كبير، من جانب العديد من أبناء الهان، وهم المجموعة العرقية الأكبر في المجتمع الصيني.
إن ما يجري في الصين اليوم هو أن الهوية المشتركة لدى الصينيين، أي العمل الاشتراكي، تتشظى تدريجياً!
■ أستاذ مساعد لدى معهد الدراسات الدولية، جامعة فودان، مقاطعة شانغهاي
صحيفة «آسيا تايمز»
■ د. جيان جنبو
ترجمة عبادة بوظو - قاسيون
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 412