العجز الاقتصادي يهلك الطبقة الوسطى للأفروأمريكان

هل أفلتت «نخبة مجتمع السود» من القبضة على نحو خطير وجدي؟ أم هي «نهاية أمريكا البيضاء» التي حذرتنا من بلوغها مجلة «أتلانتيك» على صدر غلاف عددها الأول لهذا العام؟ أم أن جراح الطبقتين، العاملة والوسطى، (الطبقة العاملة في قضية كراولي) قد أطلقت نفير قضايا التمييز العنصري في الولايات المتحدة؟

في خضم النقاشات والتعليقات عن الأعراق والطبقات غالباً ما يتم تحاشي الحديث عن إفقار الأفارقة الأمريكان كمجتمع (بالأحرى علينا القول إعادة إفقاره). فالحقيقة أن أكثر آثار الانحسار الاقتصادي الحالي وضوحاً وبروزاً سيكشف عن تهتك الطبقة الوسطى لدى السود وانحلالها. إذ أن 33 % من الطبقة الوسطى السوداء كانت تواجه خطر الانزلاق من الطبقة في بداية الركود، وفقاً لدراسة مبكرة قام بها «معهد الموارد والسياسة الاجتماعية».  من دون أدنى شك سيحافظ أوباما وغيتس على مواقعهم، وكذلك أوبرا وينفري وبيل كوسبي، لكن ملايين الزنوج من عمال المصانع إلى أمناء صناديق المصارف والمدراء من ذوي الياقات البيض، سينحدرون إلى مصاف الإملاق والعوز.
بالنسبة للأفارقة الأمريكان، و«اللاتينوز» إلى حد كبير، انتهت مرحلة الركود. فقد مرت بهم مسبقاً في الفترة ما بين عام 2000 و2007، حيث انخفض توظيف السود بنسبة 2.4 %، وانحدرت أجورهم بنسبة 2.9 %. وخلال هذه السنوات السبع السابقة للأزمة عاش ثلث الأطفال السود في حالة فقر، ونسبة البطالة بين الزنوج، بمن فيهم الأكاديميون، كانت غالباً ضعف نسبتها بين البيض. تلك كانت فترة انحسار وركود أصاب مجتمع الزنوج، أما ما يمرون به حالياً فيفترض تسميته كساداً.
وصل معدل البطالة حالياً بين السود إلى 14.7 %، مقابل 8.7 % بين البيض. مع العلم أنه يتسارع في الارتفاع بأربعة أضعاف تسارع ارتفاعه بين البيض. ويقول لورانس ميشيل، رئيس معهد السياسة الاقتصادية، إن أربعين بالمائة من الأفارقة الأمريكان سيعانون من البطالة أو من عدم إيجاد عمل ابتداءً من عام 2010، مما يزيد عدد الأطفال الفقراء من الثلث إلى أكثر من نصف أطفال السود. لا أحد يستطيع أن يفسر بشكل كامل ظاهرة تفشي البطالة بين الأفارقة الأمريكان، رغم أنه قد يكون بين أسباب الظاهرة توجه السود للعمل في القطاعات الإنتاجية الصناعية، والبيع بالمفرق، إضافة إلى توجههم نحو شغل مراكز «ذوي الياقات البيض» الإدارية، حيث تقل فرص توظيف السود أو حصولهم على أجر مكافئ، عموماً. لكن العامل الوحيد المؤكد والثابت: أن عنصرية «تفاوت الثروة» تبقي السود بشكل خاص تحت تهديد الفقر كلما مرت موجة من موجات تسريح العمال.
في عام 1998، كان متوسط صافي دخل الأسرة البيضاء أعلى من دخل الأسرة الأفروأمريكية بمقدار مائة ألف وسبعمائة دولار. وبحلول عام 2007 ارتفع الفارق إلى 142.600 دولار. يقوم مركز «إحصاء الموارد المالية لدى المستهلك» المدعوم من مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بجمع هذه المعلومات دورياً كل ثلاث سنوات، وفي كل دورة كانت تتسع باطراد فجوة تفاوت الثروة عرقياً. بصيغة أخرى: في عام 2004، مقابل كل دولار أمريكي تملكه الأسرة البيضاء، تملك الأسرة الأفروأمريكية 12 سنتاً فقط، تقلصت إلى عشرة سنتات في عام 2007. لذلك عندما يفقد معيل الأسرة الأسود عمله لا يجد مدخرات يتكئ عليها، ولا أهل أغنياء يعينونه على النهوض، ولا رواتب تقاعدية يضارب بها.
كل هذا يعتلي ذروة البؤس الناتج عن القروض العقارية المطعّمة بعنصرية شديدة. فبعد عقود من رفض تقديم القروض لهم بسبب اللون، أصبح مجتمع الأفروأمريكيين سوقاً مغرية للمقرضين المنتفخين كالبالونات مثل «كاونتري وايد»، ووصلنا بالنتيجة إلى أن الأسود، ذا الدخل الأعلى بمرتين من الحد الأدنى للدخل المطلوب من الأبيض، يمكنه أن يحصل على قرض عقاري بفوائد عالية. وطبقاً لمعطيات مركز «لأجل إقراض مسؤول» سيبلغ إجمالي خسارة اللاتينوز، من القيمة الأصلية للبيوت، ما بين 75 مليار إلى 98 مليار دولار، بينما سيخسر السود إجمالياً ما بين 71 مليار و92 مليار دولار. الأمر الذي يعتبر كارثة أسرية شاملة، تمثّل «أكبر خسارة للثروة بالنسبة للملونين، في التاريخ الحديث للولايات المتحدة» حسب توصيف «الاتحاد من أجل اقتصاد عادل».
وفي معمعة الكساد الذي أصاب الأفروأمريكان، مازال بعض المعلقين، البيض منهم والسود، مهووسين بتداول المزاعم عن العجز الثقافي لمجتمع السود. في كانون الأول الماضي مثلاً، قال محرر صحيفة «واشنطن بوست»، كاي هايموفيتز، أن سبب الكارثة الاقتصادية التي يعاني منها السود عائد إلى حقيقة أن 70 % من الأطفال مولودون لأمهات عازبات، غافلاً عن أن عدد العائلات الزوجية، التي يعيش فيها الأب والأم، قد انخفض بين البيض بمعدلات تزيد عما هي عليه بين السود. ذلك أن عدد الأبناء السود الذين يعيشون مع أحد الوالدين ارتفع بنسبة 155 %، في الفترة ما بين عامي 1960 و2006، بينما ارتفع لدى البيض بنسبة 229 %، في الفترة نفسها.
ويعلق جوان ويليامز، مذيع قناة «إن بي آر» قائلاً «إن الناس الذين استفادوا من الاندماج والتوحيد، وفرص التعليم والتوظيف، يواجهون أولئك الذين يبدو أنهم عبر أجيال سقطوا في دوامة الفقر»، الذي يسمه بانتشار المخدرات والجريمة. لكن الواقع يشي بما نسيه المذيع، فالركود المستمر يؤثر بشكل غير متكافئ على طبقة الأفارقة الأمريكيين الوسطى، الركود الذي جلبه لنا جشع «وول ستريت» لا قيم «الغيتو».
على أية حال لا أحد يحتاج مثل هذه التعليقات «الأخلاقية» والتحليلات المبتذلة عن الطبقات والأعراق، كتلك التي انتشرت في سبعينات القرن الماضي! بينما الركود يغيّر كل المعالم، ويعيد رسم التوزع الطبقي في الولايات المتحدة بأشكال سوف تزيد من حالة تنابذ الأقطاب أكثر من أي وقت مضى، وبالرغم من حقيقة أن الركود يؤثر بقوة في الطبقتين، العاملة والوسطى، البيضاء، إلا أن الركود الذي يعاني من آثاره الأفارقة الأمريكان يهدد بأثر من نوع مختلف كلياً، ألا وهو القضاء التام على طبقة مجتمعهم الوسطى.

بربارة اهرنرايتش، ديدريك محمد
ترجمة وإعداد: م. إسماعيل

باربارة اهرنرايتش: رئيسة «اتحاد المحترفين» وكاتبة، أحدث كتبها «هذه الأرض أرضهم: تقارير من أمة منقسمة»، ديدريك محمد: باحث مؤسس في «معهد الدراسات السياسية»

معلومات إضافية

العدد رقم:
416