المرأة الفلسطينية تنزل إلى ميدان الاستشهاد

الانتفاضة تتصاعد

كان يوم  27 كانون الثاني المنصرم يوماً مشهوداً في النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي وفي سبيل انتزاع الحقوق الفلسطينية المغتصبة.
ففي هذا اليوم قامت ابنة فلسطين البطلة الطبيبة وفاء علي إدريس البالغة من العمر 26 عاماً بعملية استشهادية في قلب القدس الغربية، وفي شارع يافا الرئيسي، أسفرت عن مقتل صهيوني وجرح أكثر من 140 آخرين، وبذلك تكون هذه المرأة قد انضمت إلى قافلة الشهداء في انتفاضة الأقصى، وكانت العملية علامة مميزة من حيث الهدف والخسائر والتوقيت.
وقد كان لهذه العملية وقع الصاعقة على القدس الغربية، وعلى حكومة الكيان الصهيوني حيث حصل الانفجار في خلال اجتماعها الأسبوعي فلاذ رئيس وزرائها بالصمت، ولم يناقشوا العملية، فيما أحجم جيش الاحتلال عن الرد الفوري كما كانت العادة.

مواجهة العدوان
وقد بدا أن هذه العملية جاءت رداً غير مباشر على الضوء الأخضر الجديد  الذي أعطته الإدارة الأمريكية في الأيام القريبة الماضية إلى حكومة شارون لشن عدوان واسع على الشعب الفلسطيني والحملة المتصاعدة على السلطة الفلسطينية وقيادتها.
وكانت الشهيدة قد تمكنت من اختراق الإجراءات الأمنية المشددة في قلب القدس الغربية وقامت بتفجير نفسها في شارع كان قد شهد عمليتين فدائيتين في خلال أسبوع، واستطاعت أن تخدع الشرطة، بالرغم من استنفارها الشديد، ففجرت العبوة التي كانت تحملها على مسافة بضعة أمتار فقط من مطعم سبارو الذي سبق أن استهدفته عملية استشهادية في آب الماضي وأوقعت 15 قتيلاً.

قلب الحسابات
إن قيام امرأة فلسطينية بعملية استشهادية في القدس الغربية أدى إلى قلب الحسابات الإسرائيلية التي كانت تركز المراقبة على الرجال الفلسطينيين، وستؤدي مشاركة نساء في عمليات استشهادية إلى اضطرار القوات الإسرائيلية لفرض إجراءات أمنية جديدة تأخذ هذا العامل الجديد بعين الاعتبار، ذلك أن عمليات التفتيش والتدقيق كانت تشمل حتى الآن الرجال وحدهم.
وقالت وكالة رويتر البريطانية إن العملية الاستشهادية سلطت الأنظار على دور المرأة في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
ومن جهته قال «شلومو جازيت» الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية «إن فكرة الصورة النمطية لمنفذي العمليات في طريقها للاختفاء وأصبح كل فلسطيني مشبوهاً»!!..

أثر الانتفاضة على الاحتلال
وقد شهدت الساحة الداخلية يوم 28 كانون الثاني شرخاً في القيادة السياسية تجلى بتنديد رئيس الكنيست الإسرائيلي إبراهيم بورغ باحتلال الأراضي الفلسطينية. وقال إن شعباً يحتل «أراضي» حتى وإن اضطر لاحتلالها ضد إرادته!! يتغير مع الزمن وتشوهه عيوب الاحتلال. وأضاف: علينا أن لا ننسى أن السجان والسجين يبقيان سجينين في معظم أوقات النهار وراء الجدران. وقال: إن الاحتلال يؤدي إلى الفساد. وقد أثار خطابه غضب نواب اليمين!! فأطلقوا صيحات استهجان ووصفوا خطاب بورغ بأنه «خطاب حزبي لا يليق» برئيس البرلمان.

رفض المشاركة في القمع والاحتلال
وأعلن 52 ضابطاً وجندياً من احتياطي جيش الاحتلال الصهيوني في بيان لهم نشرته الصحف الإسرائيلية، رفضهم المشاركة في المستقبل في قمع الفلسطينيين واحتلال أراضيهم، وقالوا في بيانهم إنهم سيواصلون الخدمة في الجيش، ولكن لن يكون ذلك في عمليات قمع واحتلال الفلسطينيين.
وقد اعتبر شاوول موفاز رئيس أركان جيش الاحتلال هذه الظاهرة: «مسألة خطيرة جداً ولايمكن القبول بأن يقرر بعض الاحتياطيين المهمات التي يقومون بها أو لا»، وأضاف: «إن معارضة الذين وقعوا العريضة في رفضهم للخدمة من شأنها أن تقلص عدد جنود الاحتياط الذين يسلمون أنفسهم عند  التعبئة».
إن هذه الظاهرة شبيهة بما حدث في الولايات المتحدة عند عدوانها على الشعب الفيتنامي، حيث تكونت حركة واسعة بين الضباط والجنود رفضوا المشاركة في الحرب القذرة ضد الشعب الفيتنامي ومزقوا دفاتر الخدمة وفضلوا السجن على الموت في أماكن بعيدة عن وطنهم. فهل ستتسع هذه الظاهرة في جيش الاحتلال الإسرائيلي؟.

العبء الثقيل
وقد اعتبر عدد غير قليل من الصهاينة أن بناء مستوطنات في المناطق الفلسطينية صار عبئاً ثقيلاً، وأنها خطأ تاريخي يجب إزالته، إذ أنها أرهقت «إسرائيل» اقتصادياً واجتماعياً، فسكانها يتقاضون رواتب دون عمل وأبناؤهم يتلقون التعليم المجاني، وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن عجز في الميزانية تهدر ملايين الدولارات لبناء الشقق للمتدينين مقابل ثلاثة آلاف دولار للشقة الواحدة.
وتقول صحيفة «هاآرتس» أن المستوطنين هم الذين حددوا جدول الأعمال «لدولة إسرائيل» في الـ26 سنة الأخيرة، فالحكومات المتعاقبة استسلمت دوماً للضغوط التي مارسها المستوطنون.
وأضافت الصحيفة: «أبلغت إسرائيل العالم بأنها أخلت غزة. أما عملياً فإن خمسة آلاف مستوطن منتشرون على طول القطاع في عدة مستوطنات تجبر قوات عسكرية ضخمة على التواجد معها، مما يتسبب في احتكاكات دموية يومية مع السكان، هؤلاء المستوطنون يستولون بمساعدة الجيش على 20% من الأراضي فيما يعيش حولهم 1.2 مليون فلسطيني في ظروف ازدحام رهيبة وفقر مدقع».
وأضافت: إن المستوطنات في المناطق هي خطأ تاريخي ترتكبه كل حكومات «إسرائيل»، فهدف المستوطنات هو منع إي إمكانية للتوصل إلى تسوية سلمية،  وإقامة دولة فلسطينية، من خلال جعل الأرض الفلسطينية مقطعة الأوصال بجيوب استيطانية، إذ لا توجد نقطة واحدة لايمكن رؤية الأسطح القرميدية الحمراء لهذه المستوطنات آو تلك منها.

السياسة الأمريكية سخيفة
ومن جهة أخرى وصفت «أنا ليند»وزيرة الخارجية السويدية السياسة الأمريكية الأخيرة تجاه المنطقة العربية والتي تقف إلى جانب إسرائيل بدون تحفظ وإلى عداء شديد للفلسطينيين وللسلطة الفلسطينية بأنها تفتقر إلى الموضوعية. وأنها سياسة خطيرة جداً من شأنها فقط مكافأة عنف شارون، وأعربت عن قلقها الشديد بسبب هذا الموقف الأمريكي الذي يزيد الوضع خطورة ولا يقترب من السلام، ولهذا السبب فإن الاقتراح الأمريكي بمعاقبة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات خطير جداً ولا يفضي إلا إلى حرب مفتوحة في المنطقة.وأضافت: إن الجدل الأمريكي حول مساواة عرفات بالإرهابيين غير ملائم وسخيف، إن هذه السياسة خطيرة للغاية، كما أنها وصفت اقتراح إغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني بواشنطن وإنهاء الولايات المتحدة جهود الوساطة واعتبار قوات الأمن الفلسطينية إرهابية بأنه جنون يتناقض مع عملية السلام برمتها.

دعوة للانسحاب
وقد عقد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اجتماعاً في بروكسل اصدروا بياناً كرروا فيه دعوتهم لـ «إسرائيل» لسحب قواتها من المناطق الفلسطينية ووقف سياسة الاغتيالات، ورفع الحصار الاقتصادي عن الفلسطينيين، كما طالبوا باعتبار السلطة الفلسطينية شريكاً أساسياً في عملية السلام المنشود واعتبار ياسر عرفات شريكاً في المفاوضات «السلمية»، وهذا يعكس نقطة خلاف مع مواقف واشنطن المعادية للشعب الفلسطيني وحقوقه وقيادته السياسية.  
إن الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية ومتابعة النضال بجميع الوسائل الممكنة والمتاحة لابد أن ينعكس إيجابياً في الرأي العام العالمي، إذ أخذت الأصوات تتكاثر وتتعالى على السياسة الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وعلى السياسة الأمريكية التي تدعمها بوقاحة ودون تحفظ. إن الثبات على الموقف الوطني الصلب لابد أن يعطي ثماره، أما التقلب أو التراجع، فلن تكون نتائجه إلا كارثية على حقوق  الشعب الفلسطيني. وكما جاء في المثل: «إن الحجر الذي يتدحرج لا يجمع حوله تبناً».

معلومات إضافية

العدد رقم:
168
آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 15:28