القيادة الفلسطينية: من مشروع الدولة إلى مشروع الخيمة

من يتابع نشاط القيادة الفلسطينية يلاحظ أنها سارت في خط تقهقري مستمر عن الثوابت الوطنية الفلسطينية التي أقرتها المؤسسات الفلسطينية الشرعية والتأكيد بأن هذه الثوابت لن يجري التخلي عنها، أو التراجع، ولو خطوة واحدة بشأنها إلى الوراء، وقد كشف سلوك هذه القيادة عن تهافتها على كل ما يقدم لها. وقبولها بأقل مايمكن لدرجة أنها تنازلت عن قسم كبير من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران عام 1967.

وقد بلغ الأمر درجة أن رأس النظام الأردني القريب دوماً من البريطانيين والأمريكيين قد وجه انتقادات للقيادة الفلسطينية واتهمها بتقديم تنازلات للإسرائيليين، وقال في مقابلة مع قناة «العربية»: «من المؤسف أن نرى ماكان مرفوضاً، وماكان القبول به يعتبر خيانة، أصبح مع الأسف بنظر البعض إنجازاً عظيماً!!»؟

الثوابت الفلسطينية

فماهي الثوابت الفلسطينية التي لايجوز التخلي عنها بأي حال من الأحوال:

1 ـ انسحاب إسرائيل إلى حدود 4 حزيران عام 1967 انسحاباً كاملاً بدون قيد أو شرط.

2 ـ قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس

3 ـ عودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم حسب القرارات الدولية وخصوصاً القرار (194).

4 ـ إلغاء جميع المستوطنات التي بنتها إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عدوان عام 1967.

أما القيادة الفلسطينية فقد سارت في خط مغاير لهذه الثوابت: ففي مؤتمر مدريد فرضت القيادة على الوفد الفلسطيني الانسحاب بعد أن ذهبت هي سراً إلى أوسلو وتفاوضت مع الإسرائيليين ووقعت الاتفاق المشؤوم حيث جرى التخلي فيه عن القضايا الرئيسية الهامة، قضايا الحل النهائي، وقبلت بالقضايا الفرعية، وكان الاتفاق وبالاً على حقوق الشعب الفلسطيني وقد اعترفت القيادة التي لاتزال قائمة بأنها أخطأت، ولكن بعد فوات الأوان.

القبول بخارطة الطريق

 وما إن طرحت الولايات المتحدة خارطة الطريق، حتى أسرعت القيادة الفلسطينية إلى القبول بها، مع أنها تتضمن بنوداً مجحفة بحقوق الشعب الفلسطيني وتجعل الدولة الفلسطينية ـ إن تحققت ـ تحت رحمة الإسرائيليين، ومع كل ذلك فقد رفض الإسرائيليون هذا المشروع وادخلوا عليه نحو خمسة عشر تعديلاً بحيث أصبح مشروعاً إسرائيلياً بالكامل، والأنكى من ذلك فإن الدولة التي اقترحته تنصلت منه، وبقي الفلسطينيون معلقين في الهواء.

وثيقة جنيف

كما أن القيادة الفلسطينية كانت وراء مفاوضات جنيف والوثيقة التي صدرت عنها من قبل قيادات فلسطينية قريبة من الرئيس عرفات، وأعضاء قياديين في حزب العمل الإسرائيلي، ففي هذه الوثيقة جرى التخلي عن شعار عودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم، وحصرها بالعودة إلى الدولة الفلسطينية التي يفترض أن تعلن. كما أن الوثيقة لم تنص على عودة جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل وسكتت عن وجود المستوطنات أو معظمها والتي بنيت خلال فترة الاحتلال. ولما طرح شارون مشروعه حول الانسحاب المزعوم من غزة أسرعت القيادة الفلسطينية الحالية للقبول به واعتبرته إنجازاً من إنجازاتها، ولم تتنبه أن خطة شارون تهدف إلى تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير وتمهيد الطريق إلى تهويد الضفة الغربية عبر اقتطاع 58% منها بواسطة جدار الفصل العنصري.

منظمات المقاومة ترفض التنازلات

إن سياسة التراجع المستمر والقبول بالفتات لم يلق قبولاً من منظمات المقاومة الميدانية التي اتخذت موقفاً صلباً في عدم التخلي عن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني. ورغم الدعم الذي لاقته السلطة من حاكم مصر حسني مبارك ومن جميع الحكام العرب بهدف وقف المقاومة ونزع أسلحتها إكراماً لعيون الإسرائيليين والأمريكيين، فإن المقاومة عارضت وتعارض أي تفريط بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني رغم جميع التضحيات.

التركيب الطبقي للقيادة الفلسطينية

 

ولاشك أن التركيب الطبقي لقسم هام من القيادة الفلسطينية لعب دوراً في نهج التراجع هذا، فمعظمهم معروفون بأنهم كانوا من المقاولين الفلسطينيين الذين عملوا في الخليج والكويت ومصر وفي أماكن أخرى، وأن هؤلاء صاروا أعضاء قياديين في منظمة فتح عند تشكيلها، ولعبوا آنذاك دوراً هاماً في الاتصالات السرية التي جرت مع الإسرائيليين، وأن مصلحتهم هي القبول بالحلول الوسط. ولو على حساب الشعب الفلسطيني. إن التحالف بين جميع القوى الفلسطينية وقيام قيادة وطنية موحدة تعمل على استمرار المقاومة هما الشرطان اللذان يؤديان إلى استرداد الحقوق إذ لا سبيل إلا المقاومة وليس غيرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
227
آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 14:32