القمة العربية السادسة عشرة سمعنا جعجعة ولم نر طحيناً.. كلام كثير ونتائج هزيلة

أنهى القادة العرب اجتماعات قمتهم السادسة عشرة  المتأخرة بحضور اثني عشر رئيساً وغياب تسعة، كما غادر عدد من الرؤساء القمة قبل اختتامها، وتخللها انسحاب القذافي منذ اليوم الأول بينما كان الأمين العام للجامعة عمرو موسى يلقي تقريره.

وقد علق أحد الصحفيين على تصرف القذافي بقوله:

«إنه جاء لينسحب من القمة أو من الجامعة. فالقائد الذي كان يتهم الدول الأعضاء في الجامعة بأنها عميلة لأمريكا انتهى بالارتماء في أحضان أمريكا وتدخين سيجارة أمريكية، لايحق له أن يحاضر الآخرين في القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة، وبالتأكيد فإنه آخر من يحق له الحديث عن الوطنية».

وثائق المؤتمر

وقد صدرت عن القمة عدة وثائق أهمها:

1 ـ البيان الختامي الذي تضمن مجمــل المواقف من القضايا المطروحة كالقضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية ، والوضع العراقي، والعقوبات الاقتصادية  المفروضة على سورية.

ويشير المراقبون بأن البيان الختامي لا يختلف في الشكل والمضمون عن البيانات الصادرة عن القمم العربية السابقة أي «أقوال بدون أفعال».

2 ـ كما صدرت عن القمة العتيدة وثيقتان:

< وثيقة «عهد ووفاء وتضامن» بين الدول العربية والتي تركزت على إطلاق مسيرة إعادة هيكلة الجامعة.

< وثيقة التحديث والتطوير والإصلاح.

قضايا كثيرة ومردود هزيل

وقد تضمنت بيانات القمة عدداً كبيراً من القضايا ولكنها كانت أشبه بقول المثل العربي:تمخض الجبل فولد فأراً، منها:

دولة فلسطينية مستقلة، المبادرة العربية، الانسحاب من الجولان ومزارع شبعا، سيادة العراق واستقلاله ووحدته الوطنية، سيادة الإمارات على جزرها الثلاث، طمب الكبرى، وطمب الصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران، والتضامن مع السودان، ووحدة الصومال، وتكريس الوحدة الوطنية في جزر القمر، والتضامن مع سورية ورفض المقاطعة  الأمريكية وتوسيع الديمقراطية والشورى، وتنشيط المشاركة السياسية والشأن العام، وتعزيز دور المرأة في بناء المجتمع والاهتمام بالطفولة والشباب، ووضع استراتيجية عربية للتنمية وأخيراً لا آخراً تعديل ميثاق الجامعة العربية.

وغيرها من القرارات التي تشير إلى أن هدفها إرضاء الجميع ولو بالكلام دون الأفعال، فالحكام العرب كما عرف الناس، يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم.

ولذلك فإن الشعوب العربية التي لم تكن عندها أي ثقة أو قناعة بأن القمة العربية ستخرج بقرارات هامة ومواقف حازمة تعيد للعرب حقوقهم وكرامتهم كانت على حق.

كما أنه ليس غريباً إذا رأينا الشعوب العربية ودعت القمة كما استقبلتها بموقف عدم المبالاة لثقتهم بأن «زعماءهم» عاجزون عن اتخاذ أي موقف حازم، وصلب حيال إسرائيل والولايات المتحدة، أو مايجري في العراق الشقيق.

موقف القمة من أهم القضايا:

1 ـ القضية الفلسطينية:

لقد أكثر الحكام العرب من الكلام الإنشائي عن فلسطين والقرارات  الدولية، وتراجعوا عن قرار قمة بيروت إلى «خارطة الطريق» التي قضت عليها إسرائيل قضاء مبرماً، وفي الوقت ذاته غضوا الطرف عن أعمال شارون العدوانية الإجرامية في غزة ورفح، كما أنهم لم يذكروا شيئاً عن دعم بوش لشارون وإدارته الظهر للعرب عامة ولزلمه في المنطقة بشكل خاص، لقد صاروا كالأيتام في مأدبة اللئام، كما أنهم غضوا الطرف عن نهش إسرائيل للأرض في الضفة الغربية وتدمير قطاع غزة ولم يتطرقوا إلى جدار الفصل العنصري، أو تناسوه عن عمد، وكانت الطامة الكبرى عندما استنكروا «الاعتداء» على المدنيين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، واضعين المعتدي والضحية، القاتل والقتيل، على صعيد واحد.

2 ـ العراق:

وفي الوقت ذاته لم يول الزعماء العرب مايجري في العراق الاهتمام الجدير به، وبخطورته، ولم يخصصوا للعراق إلا بضعة سطور تاركين لقوات الاحتلال أن تقرر مصير هذا البلد العربي في غيابهم التام.

3 ـ الديمقراطية:

أكد القادة العرب أنهم بعيدون عن الديمقراطية بعد الأرض عن السماء. إذ أنهم لم يعترفوا بهذا الحق إلا نتيجة خوفهم من الإدارة الأمريكية وإنهم لايقرون بحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المرأة، إلا بالدفع الأمريكي، فهناك موقفان لهما حيال هذه القضية، موقف علني خارجي وموقف سري داخلي، وهذا يذكرنا بالمثل العامي «جوا دبور وَبرّا شحرور» أو بقول الشاعر: أسد علي وفي الحروب نعامة. أي أنهم يمارسون الديكتاتورية في بلدانهم ويضيقون الخناق على مواطنيهم بينما يقفون أمام أسيادهم في واشنطن كالنعاج.

وبالنسبة لحقوق المرأة فإن هؤلاء الحكام لهم وجهان: يرخون الحبل للقوى الدينية المتخلفة لكي تتحكم بالمرأة واسر حريتها وإهانة كرامتها، بينما يعيش هؤلاء الحكام في قصورهم وخارج بلادهم حياة أخرى.

4 ـ قانون محاسبة سورية:

أعلنت القمة بالإجماع رفض العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على سورية وطالبت الولايات المتحدة بإعادة النظر بهذا القانون، ولكن القرار لم يعلن عن موقف واضح فيما إذا تطور الموقف الأمريكي من «قانون محاسبة سورية» إلى «قانون تحرير سورية».

5 ـ القرارات الاقتصادية: 

أما القرارات المتعلقة بالشؤون الاقتصادية فلم تخرج عن إطار السير في طريق الخصخصة واقتصاد السوق، و اتباع سياسات تستهدف تحرير التجارة والنفاذ إلى الأسواق الخارجية والإسراع في إنجاز سوق عربية مشتركة وتعامل البلدان العربية مع بقية دول العالم، وإقامة «تعاون» وثيق من الهيئات الدولية، والتجمعات والفضاءات والمؤسسات الدولية والإقليمية.

6 ـ كما حفلت الوثائق بتعابير غير مألوفة على مسامع كثير من الحكام العرب، وخصوصاً حكام الخليج وفي مقدمتهم حكام السعودية، مثل التحديث والتطوير، والإصلاح والانتماء إلى العصر، لا إلى القرون الوسطى، وحقوق الإنسان، والانتخابات والمجتمع المدني.

إن تصويت هؤلاء الحكام على هذه الوثائق فيها الكثير من الخديعة والتضليل لأنه كلام لذر الرماد في العيون وخوفاً من الأسياد في واشنطن.

الموقف العالمي أفضل من موقفهم

إن موقف الحكام العرب المتهاون أشد التهاون حيال الحقوق العربية والكرامة العربية المهدورة يدعو إلى الغضب، وهو لايتناسب مع موقف القوى الخيرة في العالم، وقد قارنت افتتاحية السفير اللبنانية بين موقف الحكام العرب، وماجرى في مدينة «كان» بقولها: «ظلت القمة في القاع» وظل مهرجان «كان» السينمائي أرقى منها سياسياً بما لايقاس، سواء في الموقف من الإبادة الإسرائيلية لشعب فلسطين، أو من المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وصولاً إلى تقديم جائزة السعفة الذهبية للمخرج الأمريكي  التقدمي الشجاع «مايكل مور» الذي وصف الرئيس بوش بما لا يجرؤ عليه أي حاكم عربي، وذلك في تصريحاته العلنية بعد عرض فيلمه الممتاز «فهرنهايت 9/11».

إن الشعوب العربية وقواها الوطنية أخذت تقترب شيئاً فشيئاًَ من القناعة بأن الأنظمة العربية الحالية ليس فيها أي أمل من أجل رفع شأن العرب واسترداد حقوقهم وأنها يجب أن تأخذ الأمور بيديها، ويقول الكاتب السياسي البريطاني باتريك سيل إن الشرق الأوسط مقبل على انفجار وشيك، من خلال قراءته للأحداث بعد التصريحات والأعمال الصادرة عن بوش وبلير وشارون والتي اتخذت مظهراً عدائياً ضد الرأي العام العربي، إذ ستكون له ردة فعل عنيفة عبر ترجيح القوى المناضلة العربية منطق القوة على منطق الحلول السلمية، سواء أكان ذلك على الساحة العراقية أم على الساحة الفلسطينية، وعلى الشعوب وقواها الشريفة أن تكون على استعداد تام لملاقاة الواقع السائر نحو الانفجار.

 

■ عادل الملا