أكاديميون ومثقفون عملاء.. جامعات بريطانيا.. فروع أمنية

نشرت صحيفة «المقاومة الاشتراكية» الصادرة في لندن مقالا في عددها رقم 15،  نيسان 2004 جاء فيه:

«يتم في الجامعات البريطانية التنصت على المكالمات والبريد الالكتروني للطلبة الأجانب من قبل الفرع الخاص للخدمات الأمنية وكذلك من قِبَل 15M حيث تتعاون معهم معظم الجامعات البريطانية. أما الطلبة الذين يتم التركيز عليهم فهم طلبة الهند وباكستان وكوبا وايران والعراق ومصر وسورية وليبيا وفلسطينيين في الأرض المحتلة وكوريا الشمالية».

وتقوم الجامعات بتوفير أرقام هواتفهم وبريدهم الالكتروني وعناوين منازلهم إلى الشرطة. وتقول الصحيفة اليمينية «ديلي تلغراف» أن هذه سياسة رسمية في الجامعات البريطانية الكبرى حيث يوجد دائماً أكاديمي ذو درجة عالية، دوره التنسيق والاتصال مع الخدمات الأمنية والشرطة عن الطلبة المشكوك فيهم. كما أن لـ 15M و 16M أكاديميون يجندون طلبة للعمل مع سكوتلاند يارد.

ربما المدهش في هذا الخبر لا أنه يتم في بريطانيا، أي دولة «الدستور أو القانون الأول» كما تزعم كتب القانون الدستوري وحقوق المواطن وغيرها أو كما يزعم منظرو المجتمع المدني البرجوازيون. وإنما تتضاءل الدهشة إذا علمنا حقائق أخرى لا تناقض هذا الخبر بل تنسجم معه تماماً.

إن بريطانيا هي أول «وأعرق» بلد استعماري في العالم، وعليه فإن لها علاقات مع العديد من بلدان العالم ولا سيما تلك التي كانت خاضعة لها وظلت علاقاتها قائمة معها من خلال الكومنولث. وهذا بعبارة أخرى يعني أن هناك تراثاً من الكره المتبادل بين مواطني هذه الدول وبين بريطانيا التي استعمرت بلادهم وأفقرتها ولا تزال. ومما يعزز هذه النقطة ذلك الجدل الذي لا ينتهي بين مفكري التنمية حيث ما زال العديد من مفكريهم في العالم الثالث أكثر ميلاً لنسب تخلف بلدانهم للاستعمار أكثر مما ينسبون ذلك إلى الطبقات الكمبرادورية الحاكمة في بلدانهم. وهذا يستحضر قلقاً لدى دوائر المخابرات البريطانية.

لا بد أن يترتب على «العراقة» الاستعمارية البريطانية خبرة وتراثاُ مخابراتياً وسياسياً. فكما هو معروف تحتفظ الدولة الاستعمارية عادة بعلاقات ما مع المستعمرات السابقة ومن ضمن هذه العلاقات، علاقات مع الطبقة الحاكمة، إذا لم تكن جذرية، وتفك الارتباط بالمستعمر السابق ومع مثقفين ومع المعارضين للنظام الجديد إذا كانوا ذوي توجهات راديكالية. لذا نجد أن بريطانيا هي مركز «المعارضة المعولمة» وما نقصده بالمعولمة هنا المعارضة من العديد من بلدان العالم التي تتخذ من لندن مقراً لها وتعمل لحساب الدولة البريطانية ضد حكومات بلدانها، بل ضد بلدا انها نفسها. ولعل المثال الأبرز ما أُسميت بـ «المعارضة العراقية» التي كانت تعلن عمالتها الواضحة للولايات المتحدة وبريطانيا، والتي دخلت العراق على دبابات الاحتلال.

لعل الأمر الأكثر خطورة مما تقدم هو قيام أكاديميين بريطانيين في الجامعات الكبرى (وهذا هام لأن خريجي الجامعات الكبرى يجدون حظوة في بلدانهم عند العودة) بتجنيد طلبة كعملاء للمخابرات البريطانية «سكوتلاند يارد».

والحقيقة، أننا ربما نجد في هذا الإقرار إكسير فهم أمور كثيرة معلَّقة تتصل بسلوك الكثير من خريجي الجامعات الغربية وعلى رأسها بريطانيا. فما الذي يقنع طالب فلسطيني مثلاً بالاحتفاظ بعلاقة مع المركز الثقافي البريطاني سواء قبل تخرجه أو بعد تخرجه وتوظيفه وهذا الطالب يعرف أن بريطانيا هي عدو للفلسطينيين بشكل خاص؟ لماذا يقرر هذا الأكاديمي أن يتصالح فردياً مع الدولة الاستعمارية من دون شعبه وأمته العربية؟ ولماذا يتحول هذا الأكاديمي إلى مدير أو مؤسس أو موظف «باحث» في منظمة غير حكومية تتمول من بريطانيا «من الدولة»؟ هل قرر ذلك عن قناعة، أم أن هذا أو ذاك كان قد أُختُرق خلال الدراسة وانتهى إلى: أكاديمي كبير أو مدير مؤسسة غير حكومية في بلاده، وإلى عميل لبريطانيا. فمن يدري!

لعل ارتباط الأكاديميين والمثقفين أخطر من ارتباط المعارضة المنشقة كما يسمونها. فالمعارضة مكشوفة ومعروفة لبلدانها، أما اختراق الطلبة الذين يتحولون إلى أكاديميين وكبار موظفين فيعني أن هناك شبكة واسعة من التكنوقراط والأكاديميا التي تنتشر في عموم البلاد وداخلها.

إن سلوك ومحاججات وعلاقات وارتباطات ومصادر تمويل وحتى كتابات الكثير من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين تشي بأن هؤلاء إنما ارتبطوا بالأجهزة البريطانية باكراً وبقوا على هذا الارتباط الذي يصعب، أو من الخطورة الفكاك منه. لا بل إن قسماً منهم ورث الارتباط عن بعض وجهاء العائلة. فالارتباط بالعدو ليس بالسهولة الفكاك منه، ولعل أوضح مثال هو ارتباط شريحة من مجلس الحكم الانتقالي في العراق ببريطانيا والولايات المتحدة. فقد عجز مجلس الحكم الانتقالي عن الاحتجاج على مذبحة الفلوجة، والفحش الجنسي ضد المعتقلين العراقيين. عجزوا عن إدانة ما أدانه الكثير من الأمريكيين وحتى الرسميين. فما معنى ذلك؟!

ولكي لا نحصر الأمر بنظام بريطانيا، رغم عراقتها في هذا المشروع التخريبي للعالم والإنسانية بأسرها، فإن هذا النهج في تجنيد الأكاديميين لخدمة الأنظمة دارج في العالم وخاصة في الولايات المتحدة.

بقي أن نحذّر بأن هذا لا يعني أن لا يتوجه طلبتنا للدراسة في الغرب الرأسمالي، ولكنه يعني وجوب بناء الطالب فكريا وثقافيا وسياسياً بحيث يكون منيعاً على الاختراق. لكن هذا يفتح باباً أوسع وهو وجوب وجود أنظمة محلية توفر الحريات والديمقراطية وتقدم مثالاً يتفاخر به الشباب. وهذا غير موجود، ولغيابه دور في تساقط كثير من الأبرياء في أحابيل الخداع البرجوازي الغربي. وبالطبع ليس هذا معرض التفصيل في هذا الأمر. ومع ذلك يمكن للحركات الحزبية أن تلعب دوراً تعبوياً وتثقيفياً في هذا المستوى إذا ما توفرت!

 

  ■ نادر نصار